فإذا صح ما يقال من أن الإنسان كان في بدايته قانعا بكهف يؤويه، وجلد حيوان يستر به بشرته، وشيء من الأعشاب يدفع مخمصته، ألا تكون قلة مشاغله ومطامحه المادية قد تركت في نفسه فراغا عميقا للتأملات التي ترهف حاسته الدينية، وتنمي مشاعره الروحية العليا؟ كما أن اشتغال الناس في عصور المدنيات بترف الحياة الجثمانية، يؤدي إلى عكس هذه النتيجة ذلك أن الغرائز المتقابلة تضعف وتتقلص، بقدر ما تنمو وتقوى أضدادها، ككفتي الميزان: لا ترتفع إحداهما إلا انخفضت الأخرى. محمد عبد الله دراز