إما كيف تتحرر العقول من هذا الأسر الاجتماعي القاهر، فإن القرآن يعلن أنه ليس لذلك إلا وسيلة واحدة، وهي التفكير الفردي الهاديء، المتحرر من كل القيود إلا قيود البداهة والمنطق السليم: ( قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا) #سبأ
تأمل جيدا هذه الوصية الحكيمة، تر فيها وصفا للداء والدواء جميعا: فهي قبل كل شيء تقرير ضمني للحقيقة الواقعة، وهي أن العقل الجمعي يطبع عقول أعضائه بطابعه المشترك، ويجعلهم يفكرون عند اجتماعهم بأسلوب مخالف لتفكيرهم عند الانفراد؛ ولذلك تدعو الآية الكريمة كل فرد من الجماعة أن يخلو بنفسه أو برفيق واحد (مثنى وفرادى) ليكون في بعض اللحظات بعيدا عن تأثير البيئة وتيارها الجارف، وإلى جانب هذا الاعتراف بسلطان العقل الجمعي ونفوذه الفعلي في الأفراد، تشير الآية إلى أن ما تقرره هذه العقلية المشتركة ليس هو دائما أقرب المقررات للصواب؛ ولذلك تخول كل فرد حقه في الحرية الفكرية والنقد النزيه لهذه المقررات العامة، استصلاحا لما فيها من زيغ وانحراف، واستبقاءا لما فيها من خير ورشاد.