واعلم أن عموم الأديان لجميع الأمم لا يعني عمومها لكل أفرادها، فإنه لا تخلو أمة من وجود (ذاهلين) قد غمرتهم تكاليف الحياة وأعباؤها، إلى حد أنهم لا يجدون من هدوء البال وفراغ الوقت ما يمكنهم من رفع رءوسهم للنظر في تلك الحقائق العليا؛ كما لا تخلو أمة من (منكرين ساخرين) يحسبون الحياة لهوا ولعبا، ويتخذون الدين وهما وخرافة، لكن هؤلاء دائما هم الأقلون في كل أمة، وهم في الغالب من المترفين الذين لم يصادفهم من عبر الحياة وأزماتها ما يشعر نفوسهم معنى الخضوع والتواضع، وما ينبه عقولهم إلى التفكير في بدايتهم ونهايتهم، وهذا الاستثناء من القاعدة لا ينفي كمون الغريزة الدينية بصفة عامة في طبيعة النفس الإنسانية، كما أن غريزة بقاء النوع لا يمنع من عمومها أن بعض الناس لا يزوجون ولا ينسلون.