المحبّةُ في اللهِ دوحةٌ ربّانيّةٌ دنيويّةٌ، فهي تُدخِلُ الإنسانَ في ميادينِ الحبِّ شعوراً، وفهماً، وسلوكاً؛ بها يعرفُ الإنسانُ ما هو حالُ المحبّين، وكيفَ يكونُ شعورُهم، وأقوالُهم وسلوكُهم ليجعلَ مِنْ هذهِ المعرفةِ سبيلاً إلى محبّةِ اللهِ؛ فبعدَ معرفةِ معاني الحبِّ لنْ يدّعي أحدٌ محبّتهُ للهِ إذا لم يشغلْهُ اللهُ شعوراً وفكراً وعملاً... يعلمُ أنَّ للمحبّينَ طرائقَ في التودّدِ ممّنْ يحبّون، وأحوالاً في محبّتِهم، وانشغالاً بمحبوبهم عنْ ذاتِهم وطلباتِها، فهم في مقابلِ إرضاءِ محبوبِهم يتنازلون عنْ كثيرٍ مِنْ أهوائِهم وطلباتِ أنفسِهم، بل وكرامتِهم، فلا يعظمُ ولا يستحيلُ فعلُ شيءٍ مقابلَ إرضاءِ هذا المحبوبِ والتودّدِ إليهِ. فإنْ لم ينتقلوا مِنْ هذهِ المشاعرِ والأحوالِ الجميلةِ الرائعةِ التي تجعلُ الإنسانَ عظيمَ القدرةِ، قويَّ الإرادةِ، يستسهلُ المستحيلَ، ويقدّمُ كلَّ ما لديهِ عربوناً للمحبوبِ و وفاءً لهُ، أمامَ الحقيقةِ الكبرى : ( أحبِبْ مَنْ شئْتَ فإنّكَ مفارقُه ) ويرتحلونَ بمحبّتِهم مِنَ الحيِّ الفاني إلى الحيِّ الذي لايموتُ، ويدركونَ أنَّ مراتبَ الحبِّ التي مرُّوا بها مِنْ حبِّ الوالدينِ المعطاءِ بلا مقابلٍ الذي تذوّقوا فيهِ معانيَ الحبِّ الأصيلِ ينهلونَ ويرشفونَ منهُ كما يشاؤونَ دونَ أدنى مقابلٍ، ثمّ إلى حبِّ الزوجِ أو الأخوّةِ في اللهِ التي يتبادلُ فيها المحبّونَ الأخذَ والعطاءَ، ثمَّ إلى الحبِّ الذي يعطونَهُ إلى أولادِهم بلا مقابلٍ، فيكونونَ بذلكَ قد تذوّقوا جميعَ أنواعِ الحبِّ مِنْ أخذٍ بغيرِ أجرٍ، وأخذٍ وعطاءٍ، ثمَّ عطاءٍ كاملٍ... ليجدوا بعدَ هذهِ الرحلةِ أنَّ سكينةَ قلوبِهم وثباتَ أفئدتِهم لنْ ينالوها إلا إذا وجّهوها إلى المحبوبِ الحقيقيِّ فهو الذي أنعمَ عليهم بكلِّ أنواعِ الحبِّ، كي يتعرّفوا هذهِ المعاني ويحبّونهُ حقَّ المحبّةِ.. حالاً وقولاً وسلوكاً وحياةً.
أمل أحمد طعمة