إنَّ الرّوحَ هي الجزءُ الحيُّ الباقي، أمّا الجسدُ فكأنّهُ وعاءٌ فقط! سُكِبَتْ فيهِ الرّوحُ لأَجَلٍ محدَّدٍ، فما بالُنا نهتمُّ بالجسدِ ومتطلّباتِهِ وهو مُجرّدُ وِعاءٍ أو جسمُ آلةٍ! لقد غيّرَتْني هذهِ المعرفةُ، إنّي أنظرُ بشكلٍ مغايرٍ تماماً عنْ ذي قَبلُ لطبيعةِ الدّينِ ومكانتِهِ ولحقيقةِ ذاتي، أستشعرُ بروحي وميثاقيَ الأوّلِ، وكأنّها أزالَتْ مِنْ نفسيَ الوهمَ والغفلةَ، فنَشِطَتْ روحي وباتَتْ مركزَ اهتمامي. إنّي أُشبِّهُ الفِطرةَ وعملَها بعملِ (DNA) الّذي يحتفِظُ بالخواصِّ الوراثيّة، أمّا الفطرةُ فتحتفظُ بـ(الشِّيفرةِ) الأصليّةِ للمَداركِ والمعارفِ الحقيقيّةِ عنِ الكونِ والإلهِ والأخلاقِ الأساسيّةِ الّتي تُوصِلُ للحقِّ وتبني مجتمعاً سليماً. كما ساعدَتْني هذهِ المعرفَةُ في اجتثاثِ بقايا الغُرورِ والعُجْبِ بما أنعمَ اللهُ على الإنسانِ مِنْ قُدراتٍ وذكاءٍ ونِعَمٍ، فكلُّ هذهِ النِّعَمِ هي مِنَ القُدراتِ الّتي أُودِعَتْ في النّفْسِ بنِسبٍ مُتفاوتَةٍ بينَ الخَلقِ لتؤدِّيَ مَهامَّ محدّدةً، فهي مَحْضُ إفضالٍ مِنَ اللهِ عزَّ وجلَّ، وليس للعبدِ سوى أنْ يَنسِبَها لخالقِها فيستخدمَها فيما يحبُّ ويرضى، ويجعلَ مِنْ رُوحِهِ وفطرتِهِ المُوجِّهَ لها، لذلكَ جاءَ الدّينُ ليُساعدَ النّفْسَ في مسحِ غُبارِ الغفلةِ عنْها، لتُشرقَ روحُهُ وتستعيدَ الفطرةُ مكانَها الحقيقيَّ في توجيهِ ذاتِهِ نحو الخيرِ والحقِّ، مؤدِّياً بذلكَ مِيثاقَ العهدِ الأوّلِ بينَ رُوحِهِ وخالقِهِ. فالدّينُ ليس موافِقاً للفطرةِ البشريةِ فَحَسْبُ، بل جاءَ ليحميَها منْ طُغيانِ المادّةِ وظلمِ النّفْسِ وغفلةِ الشّهواتِ، جاءَ ليُوقِظَ الرُّوحَ قبلَ أنْ يصفعَها الموتُ!.
أمل أحمد طعمة