إن الذين يدعون إلى فصل الدين عن السياسة فريقان: فريق يعترفون بأن للدين أحكامًا وأصولاً تتصل بالقضاء والسياسة، ولكنهم ينكرون أن تكون هذه الأحكام والأصول كافلة بالمصالح آخذة بالسياسة إلى أحسن العواقب، ولم يبال هؤلاء أن يجهروا بالطعن في أحكام الدين وأصوله، وقبلوا أن يسميهم المسلمون ملاحدة، لأنهم مقرون بأنهم لا يؤمنون بالقرآن ولا بمن نزل عليه القرآن. ورأى فريق أن الاعتراف بأن في الدين أصولاً قضائية وأخرى سياسيه، ثم الطعن في صلاحها إيذان بالانفصال عن الدين، وإذا دعا المنفصل عن الدين إلى فصل الدين عن السياسة كان قصده مفضوحًا وسعيه خائبًا، فاخترع هؤلاء طريقًا حسبوه أقرب إلى نجاحهم: وهو أن يدّعوا أن الإسلام توحيد وعبادات، ويجحدوا أن يكون في حقائقه ما له مدخل في القضاء والسياسة، وجمعوا على هذا ما استطاعوا من الشبه لعلهم يجدون في الناس جهالة أو غباوة، فيتم لهم ما بيتوا. محمد الخضر حسين