إننا كثيراً ما نعقد موازنة سريعة بين آلامنا ولذاتنا، لكي نخلُص إلى الحكم بأن كفة الألم ترجح بالضرورة كفة اللذة! وربما كان أعجب ما في الإنسان أنه يتطلب من الحياة أنواعاً معينة من اللذات، فإذا ما ضنَّت عليه الحياة بتلك اللذات (لأنها قد تكون مجرد نزوات أو محض أهواء) سارع إلى الحكم على الحياة كلها بأنها ألم محض أو عذاب مقيم! وإن ذرة صغيرة من الرماد تعشو أبصارنا، قد تكون هي الكفيلة ـ في بعض الأحيان ـ بأن تجعلنا نلعن الإبصار! وبالمثل، يمكننا أن نقول أن لحظة قصيرة من الألم قد تدفع بنا أحياناً إلى الكُفر بالحياة! وكثيراً ما نتناسى الخيرات التي وضعتها الحياة بين أيدينا، وشتى المتع التي عملت على تزويدنا بها عبر الأيام والسنين، لكي نركز أبصارنا حول الألم القصير الذي نعانيه الآن، أو الشر العابر الذي نستشعره في اللحظة الراهنة! ولكن، ألا تدلنا التجربة نفسها على أن لحظات الألم والاحتضار لا تدوم في حياتنا بقدر ما تدوم لحظات الغبطة والسرور؟ وماذا عسانا أن نكون، لو لم يكن من شأن أي ألم أن يجيء فينبهنا إلى أخطائنا، وعثراتنا، وتهوراتنا؟ أليست خبراتنا الأليمة هي نفسها التي تجعلنا ـ في بعض الأحيان ـ نفطن إلى قيمة الحياة، ونزداد بها تعلقاً، ونحرص أكثر فأكثر على الاستمساك بها؟. زكريا إبراهيم