رفع معاوية الجزية على أهل مصر خمسين في المائة، بدعوى أن مصر فُتحت عنوة ، لا صلحا، وفرض على من أسلم من أهل مصر أن يستمروا في دفع الجزية بعد إسلامهم، فكان هناك مسلمون عرب في الدولة الأموية (من الدرجة الأولى في المواطنة) لا يدفعون جزية، ومسلمون غير عرب (من الدرجة الثانية في المواطنة) يدفعون جزية، وتُزاد عليهم عما سنه عمر بن الخطاب. ومن بعد معاوية غير عبد الملك نظام الجزية على أهل الجزيرة والشام، فبعد أن كانت دينارا في عهد عمر، ودينارين في عهد عثمان، وثلاثة دنانير في عهد معاوية، صارت أربعة دنانير، هي كل ما كان يمكن لفقير أن يدخره في عام، وسوّى في هذا الرفع بين الأغنياء والفقراء، ولم تعد الجزية إلى ما كانت عليه إلا في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز، القصير العمر (سنتين وسبعة أشهر)، ثم عادت من بعده إلى ما كانت عليه، للإبقاء على ثراء الخلفاء، ومال الخلفاء في بيت المال في العهد الأموي والعهد العباسي، على السواء. ولقد كان عمر بن عبد العزيز قد أعفى رهبان مصر من دفع أية جزية، ولكن والي مصر عبد العزيز بن مروان، فرض على كل راهب أن يدفع دينارا في كل سنة، ولم تبطل من بعده. ولقد كان الموالي من الفرس قد أقبلوا على الإسلام بقرى فارس بأسرها في عهد عمر بن عبد العزيز، لأنه أسقط عمن يُسلم دفع الجزية، فوفدوا على المدن ليقيموا بها تاركين قراهم والأرض التي يزرعونها، فرارا من دفع الخراج، لكن الحجاج بن يوسف الثقفي والي عبد الملك بن مروان أعادها عليهم، بعد إسلامهم، ونقش على يد كل منهم بالوشم والكي اسم قريته وأعاده إليها، وجرؤ ولاة مصر الأمويون، من قبل عبد العزيز بن مروان، على أن يسموا كل راهب بحلقة فيها اسمه واسم ديره وتاريخ رهبنته، حتى يتميز الراهب الذي لا يدفع جزية، من مُدّعي الرهبنة الذي يطلب لنفسه هذا الإعفاء. سليمان فياض