ويعتقد بعض النقاد أن هذه الظاهرة (ظاهرة الخطاب المدني/الإسلامي) هي امتداد تاريخي لمدرسة المعتزلة، والواقع أن هذا التفسير قد أبعد النجعة كثيرًا، فمدرسة المعتزلة هي مدرسة دينية متزمتة أخرجت الفساق من الإسلام، وشرعت للمنابذة المسلحة لأئمة الجور، وناضلت الفلسفة الإغريقية بنفس أدواتها، ووصفهم كثير من المحققين في علم الفرق بأنهم أصحاب إرادات، أي: أصحاب نسك وعبادة، وكان لديهم نتاج عقلي منظم، وإنما كان سبب زيغهم غلوهم في التنقير بالعقول في الغيبيات وتقديمها على مضامين المرويات، حتى نتجت عن ذلك أصولهم الخمسة المعروفة، لا لأنهم أعرضوا عن الشرائع العملية وانبهروا بأمة من أمم الكفر، فالمعتزلة مدرسة غلو لا مدرسة تساهل، بل إن المعتزلة أشرف بكثير من الخطاب الفرانكفوني المعاصر الذي يحاول الوصول إلى تناقضات داخلية في التراث الإسلامي بهدف تحييد الوحي جملة عن الحياة العامة.
إبراهيم عمر السكران