((هل سمعت من قبل بساحرٍ يُدعى (هَاري هُوديني)؟ عموماً؛ لم يكن هاري مثل سحرة اليوم لا يشغلهم إلا نِسَب المشاهدة فحسب؛ لقد كان محترفاً بمعنى الكلمة. كان بإمكانه أن يُخفي ((فيلاً ضخماً)) على مسرحه أمام الآلاف من المشاهدين؛ هل تدري كيف؟! توجيه الإدراك: ما تراه العين وتسمعه الأذن= يصدقه العقل)). لعل تلك الكلمات التي أوردها كاتب السيناريو الأمريكي وأحد المساهمين في شركة (Wetwork Tactical) للسلاح والخدمات الأمنية (سكيب وودز - Skip Woods) على لسان (ج. ترافولتا - جابريال) في فيلمه الشهير والقريب من موضوع بحثنا (Swordfish) والذي تم عرضه قبيل أحداث سبتمبر بشهور = مدخلاً نسعى من خلاله جمع ما تفرق في ثنايا البحث والتأكيد على أهم الأفكار التي وردت فيه. فمن السهل الميسور أن نتفهم إخفاء ((فيل ضخم)) على خشبة المسرح إذا ما قارناه بقدرة صانعي الرأي العام على إخفاء ((الطيف الإسلامي)) بتاريخه وتنوعاته، واختزالها في نمط وحيد ثم الزيادة في تشويه هذا النمط، وتقديم المقابل له بصورة تخلو حتى من المحافظة الدينية، ويوم يتم اختيار مقابل ديني يتم اختياره متصوفاً منسحباً من أية مسؤولية أو فاعلية اجتماعية. وما كان للأمر أن يتم لولا الرؤية مجهريةِ العدسة، وانتقائيةِ الزاوية، التي فرضتها أجهزة الإعلام على المشاهد، أو النظر من ثقب الورقة كما سماه ل.كوليشكوف. تلك الرؤية المجهرية التي تُضخم جزءاً من الصورة بقدر ما تعزل أجزاء أخرى. فكما تُبرَز صور ضحايا العمليات الإرهابية والقتلى من النساء والأطفال= تعزل مُبرِّرات العداء والصراع، وسياقه التاريخي الحديث، ودوافع توتره، خاصَّة من ناحية الولايات المتحدة الأمريكية. ومن خلال التضخيم والاستبعاد والعزل تتم عملية توجيه الإدراك، ومن هنا نفهم العلاقة بين سحر الشاشة وحيل (هَاري هُوديني) السحرية. ومن هنا نفهم أيضاً سبب الحرص على الـ (political priming)، أو السيطرة التامة على مصادر تشكيل الانطباعات الأولى من خلال شبكات من المحللين والبرامج، والانفرادات والتسريبات الصحفية المبكرة والملغمة. مُشاهِد السينما يرى الشارع امتداداً للمشهد الذي يتركه للتو، الإنتاج بواسطة تقنياته يترك الانطباع بأن العالم الخارجي ليس إلا امتداداً لما يُصار إلى اكتشافه في الأفلام، وما تريه السينما للجمهور وتُسمعه لهم هو ما يشكل عقولهم ويوجه تصرفاتهم. وهكذا نجد أن عزل واستبعاد السياقات التاريخية ودوافع الصراع بل وتشويه وتزييف الحقائق إنما يهدف بشكل أساسي لإعادة إنتاج الواقع؛ ليكون الواقع بالنسبة للمشاهد هو ما يراه على الشاشة، وتكون النتيجة النهائية هي: عزل الإسلاميين مجتمعياً، واستمرار التجانس الثقافي متناسقاً على النحو الذي يخدم الدولة الحديثة وصانعي القرار وحماة المصالح فيها. أحمد سالم أبوفهر