كان هناك الجندي الليبي الذي يستقبل ركاب الطائرة، وفي ملامح وجهه رأيت أول ملامح ليبيا، كان وجهه ينطق بالجد والصرامة، إذ سألني قائلاً: إلى أين؟، ناطقاً بلهجة عربية مألوفة لأني طالما سمعت مثلها في صباي في اقليم البحيرة بمصر، فأجبته بلهجتي المصرية: إلى طرابلس وتبسمت وأنا أقول في نفسي أني لم أبعد عن بلادي على رغم هذه الأميال الطويلة التي قطعتها، وانحنى الرجل قليلا في أدب ولكنه لم يبتسم وأشار بيده أن أمضي في سبيلي نحو استراحة المطار.. ولكن وجهه إذا كان ينطق بالجد فإن قساوته المتحفظة كانت تقول: مرحبا يا أخي. وقد استطعت أن أفهم فيما بعد سر تلك الصرامة التي على وجه هذا الليبي الأول الذي لقيني أول وهلة في المطار بعد أن أقمت في البلاد ثلاث سنوات، ذلك هو الجهاد القاسي الطويل الذي خاض الشعب الليبي غماره طوال ثلاثين سنة مع قوى طاغية لا تعرف الرحمة ولا الهوادة - فقد خلقت فيه قسوة هذا الجهاد المرير أثراً لا يسهل للأيام أن تزيله من الأفئدة، كما خلفت في الوجوه تلك، شارته المتحفظة التي تنم عن رجولة متحفزة متماسكة.محمد فريد أبو حديد