كنا قد توقفنا لأداء صلاة الظهر . وبينما كنت أتوضأ من قربة ماء ، تساقطت قطرات على بقعة من حشائش جافة بين قدمي، محموع من سيقان الحشائش الجافة الباهتة، صفراء ذابلة بلا حياة تحت حرارة شمس لافحة. حين تساقطت عليها قطرات الماء، بدا كما لو كانت رعشة تسري في أنصال أوراقها الجافة المتغضنة، رأيت أوراقها وأنا مشدوه وهي تتفتح ببطء وارتجاف. نثرت قطرات ماء أخرى عليها، تحركت أنصال أوراقها واستدارت ثم استقامت ببطء، باستحياء وتردد.. كتمت أنفاسي دهشة وأنا أصب مزيداً من الماء على بقعة الأعشاب. تحركت أسرع وانفردت سيقانها المائلة واستقامت أوراقها بحوية أشد، كما لو كانت هناك قوة خفية تدفعها للاستيقاظ من أحلامها المليئة بالموت والفناء. كان مشهداً رائعاً لا يمكن أن أنساه، بدت أنصال أوراق الأعشاب الضئيلة تتمدد كما تتمدد أطراف نجمة البحر، كأنها مأخوذة بنشوة خجولة لايمكن كبح جماح متعتها، احتفاء جامح من المتعة الحسية: عادت الحياة منتصرة إلى ما كان يبدو من لحظات من الموتى، رأيت ذلك ووقع تحت بصري، حدث باتقاد مشبوب، بقوة طاغية تتوق إلى الحياة، وتفوق قوتها وعظمتها القدرة على الفهم والتفسير.
محمد أسد