يوم الجمعة سبت المُسلمين تُدرك أنّ هناك تغيّراً في وقع الحياة في دمشق, دوامات صغيرة من الفرح والسرور مع إجلال ومهابة دينية, فكرتّ في أيام الآحاد في أوروبا؛ في الشوارع الصامتة, في المُدن يوم الأحد والمحال المغلقة؛ تذكرت كل تلك الأيام من الآحاد الخاوية والإحساس بالقهر الذي كانت تلك الأيام تجلبه. لماذا هي كذلك؟ الآن بدأت أفهم وأدرك: الحياة اليومية لأغلب الناس في الغرب تُشكّل عبئاً ثقيلاً لا يحلّهم منه إلا أجازة يوم الأحد, لم يعد الأحد يوم راحة بل يوم هروب ... نسيان وهمي مصطنع من وطأة الواقع الذي يحيونه, ويكون ثقله مُضاعفاً وخطراً ذلك اليوم الأسبوعي للهروب. أما عند العرب, فلا يبدو أن يوم الجمعة يوم هروب أو نسيان, ليس لأن ثمار الحياة تتساقط بسهولة في حجورهم بلا جهد ولا مشقّة, بل يعود السبب ببساطة إلى أن أعمالهم حتى أشقّها لا تتعارض مع رغباتهم الشخصية. لا توجد لديهم آلية لذاتها في العمل؛ على العكس من ذلك, هناك تواصل عميق بين العامل وما يعمله: لذلك تصبح الراحة ضرورية حين يشعر بالإجهاد. لقد رسّخ الإسلام ذلك التناغم بين العامل وعمله كحالة تتسق مع التركيب والتكوين البشري, لذلك لا توجد راحة إجبارية يوم الجمعة. الحرفيون وأصحاب المحال الدمشقية يعملون يوم الجمعة بضع ساعات, ثم يغلقون أشغالهم بضع ساعات يذهبون فيها للجوامع لصلاة الجمعة وبعدها يلتقون بالأصدقاء على المقاهي ثم يعودون إلى أعمالهم وصناعاتهم لبضع ساعات أخرى في سعادة وإسترخاء نفسي, كل واحد وما يود. محلات قليلة تغلق يوم الجمعة, وبإستثناء وقت صلاة الجمعة تجد الشوارع مليئة بالناس مثل بقية أيام الأسبوع.
محمد أسد