إن أفلاطون لا يفرِّق في الأخلاق بين العلم والعمل ؛ فهو يؤكد ، كما كان يؤكد سقراط ، أن مصدر ما نتورط فيه من الرذائل والآثام إنما هو جهلنا بالخير وقصورنا عن إدراكه ؛ فإذا أزيل هذا الجهل وأتيحت لنا القوة التي تمكننا من إدراك الخير ومشاهدته ، فنحن بمأمن من الرذائل والآثام . وليس يستطيع أفلاطون ، كما لم يكن يستطيع سقراط ، أن يتصور أن الإنسان يقدم على الشر وهو يعلم أنه شر ، وينصرف عن الخير وهو يعلم أنه خير . وإذًا فالفلسفة التي تؤدي إلى إدراك فكرة الخير ليست مصدر السعادة النظرية العملية وحدها ، بل هي مصدر السعادة العملية أيضًا ؛ فالفيلسوف أسعد الناس لأنه يدرك الخير ويراه ، ثم لأنه يسعى إليه ويطمع فيه وينظم حياته تنظيمًا يجعلها ملائمة له .طه حسين