ومهما يكن من أمر فإنَّ عالم الأشخاص في المجتمع الجاهليِّ قد انحصر في حجم القبيلة، فيما عالم أفكار هـ قد تمثل بوضوحٍ في تلك القصائد المتألقة الشهيرة بالمعلقات، وهو بالإجمال - شأن عالم أشخاصه- عالمٌ محدود يستقي منه الشاعر الجاهلي أبياته البراقة ليشيد بمجد قبيلته وانتصارها في أحد الفصول الملحميَّة التي حفظتها ذاكرة التاريخ تحت اسم (أيّام العرب)، ويتغنى بذكرى حبيبته، أو يبكي كالحسناء، بطلاً هوى، أو يسعى لتخليد اسمٍ كاسم حاتم الطائي لجوده وحسن ضيافته. هكذا كان وجه ذلك المجتمع الجاهلي المنغلق على نفسه والذي كانت تتلاشى على أرباضه حركات المد والجزر التاريخية للأمم العظيمة التي جاورته: الامبراطورية البيزنطية، والامبراطورية الفارسية، ومملكة الحبشة في الجنوب. وفجأةً أضاءت فكرةٌ في غار، غار حراء، حيث مُنْعَنرلٌ يقوم فيه متأملاً. وحمل وميضها رسالةٌ بدأت بكلمةِ (اقرأ). مزقت هذه الكلمة ظلمات الجاهلية، وقضت على عزلة المجتمع الجاهليِّ. مالك بن نبي