في أحداث هذا القسم الأخير من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، تلوح قصة الحقيقة الكبرى في هذا الوجود !.. الحقيقة التي يسقط عندها جبروت المتجبرين وعناد الملحدين، وطغيان البغاة و المتألهين. إنها الحقيقة التي تمد صفحة هذا الوجود المائج كله بغاشية الانتهاء و الفناء، وتصبغ الحياة البشرية بصبغة العبودية و الذل لقهار السموات والأرض. حقيقة تسربل بها ( طوعاً أو كرها ) العصاة و الطائعون، والرؤساء و المتألهون، والرسل و الأنبياء، و المقربون و الأصفياء، والأغنياء والفقراء، ودعاة العلم و الاختراع !.. إنها الحقيقة التي تعلن على مدى الزمان و المكان وفي أذن كل سامع وعقل كل مفكر : أن لا ألوهية إلا لله وحده، وأن لا حاكمية إلا لذاك الذى تفرد بالبقاء، فهو الذي لا مرد لقضائه، ولا حدود لسلطانه، ولا مخرج عن حكمه، ولا غالب على أمره . أي حقيقة تنطق بهذه الدلالة نطقاً لا لبس فيه ولا غموض أعظم من حقيقة الموت وسكرة الموت إذ قهر الله بهما سكان الدنيا كلها منذ فجر الوجود إلى أن تغيب شمسه؟!.. لقد مر في معبر هذه الدنيا كثير من أولئك المغترين الذين غرقوا في شبر من القوة التي أوتوها، أو العلوم التي فهموها، أو المخترعات التي اكتشفوها، ولكن هذه الحقيقة الكبرى سرعان ما انتشلتهم وألقت بهم في بيداء العبودية وأيقظتهم إلى صحو التذلل لقيوم السموات و الأرض، مالك الملك كله، فقدموا إلى الله عبيداً أذلاء خاضعين. كل نفس ذائقة الموت . محمد سعيد رمضان البوطي
اقتباسات أخرى للمؤلف