إن من الصعب على الإنسان أو المستحيل أحياناً، أن ينظر في الأمور بحرية تامة. وقد يتراءى لبعض المغفلين بأنهم أحرار في تفكيرهم وسبب ذلك أن الإطار الفكري قيدٌ لا شعوري موضوع على عقولهم من حيث لا يحسون به. فهو بهذا الاعتبار كالضغط الجوي الذي نتحمل ثقله الهائل على أجسامنا دون أن نحس به. وقد نحس به بعض الإحساس إذا تحولنا إلى مكان آخر يتغير فيه مقدار الضغط. عندئذٍ نشعر بأنّنا كنّا واهمين. كذلك هو العقل البشري فهو لا يحس بوطأة الاطار الموضوع عليه إلّا إذا انتقل إلى مجتمع جديد، ولاحظ هنالك أفكاراً ومفاهيم مغايرة لمألوفاته السابقة. إنه يشعر عندئذ بأنه كان مثقلًا بالقيود الفكرية وأن فكره بدأ ينفتح. لعلّنا لا نخطئ إذا قلنا: إن الإنسان كلما ازداد تجوالًا في الآفاق واطلاعًا على مختلف الآراء والمذاهب انفرج عنه إطاره الفكري الذي نشأ فيه واستطاع أن يحرر تفكيره من القيود قليلًا أو كثيرًا. وكلما كان الإنسان أكثر انعزالًا كان أكثر تعصبًا وأضيق ذهنًا. فالذي لا يفارق بيئته التي نشأ فيها ولا يقرأ غير الكتب التي تدعم معتقداته الموروثة لا ننتظر منه أن يكون محايدًا في الحكم على الأمور. إن معتقداته تلوّن تفكيره حتمًا وتعيقه عن جادة البحث الصحيح. ― علي الوردي, مهزلة العقل البشري 1 likes Like وهنا يأتي ابن خلدون فيبدي رأياً يخالف فيه الجميع. إنه يرى أنّ المسالة ليست مسألة تحريم أو جواز من الوجهة النظرية المجردة، بل هي مسألة واقعية اجتماعية تتصل بالعصبية. فمن كانت لديه العصبية الكافية التي تمكنه من الثورة والتغلب على السلطان جاز له الخروج عليه، أما من كان ضعيفاً من الناحية الاجتماعية وليس له عصبية كافية تدعمه في خروجه، فالاولى به الجلوس في بيته والتجنب عن إثارة الفتنة والفوضى وسفك الدماء. علي الوردي
اقتباسات أخرى للمؤلف