الإنسان يشتهي أموراً لو تأمل فيها لوجدها تافهة لا تستحق العناء والتكالب. ولكنه مدفوع نحوها بدافع الإيحاء الاجتماعي الذي يشبه التنويم المغناطيسي من بعض الوجوه. فتراه يسعى مثلا وراء الرئاسة أو الشهرة وهو يدري أنها لا تجديه نفعا. إنه يود أن يمشي في |لشارع فيتهامس الناس عنه ويشيرون إليه بالبنان. وتراه آنذاك قد شمخ بأنفه مختالا. يكفيه أنه أصبح حديث المجالس ولا يبالي أن يبذل في هذا السبيل جهودا طائلة ويحتمل من أجله اعباء ثقالا. انظر إلى ذلك الأنيق الذي يلبس الملابس الثقيلة في وقدة الحر. إنه يضيق بها على نفسه ويتحمل من جرائها المشقات. وهو لا يبتغي من وراء ذلك إلا إعجاب الناظرين إليه. إنه يدري أن هذا الإعجاب لا يفيده وقد يضره ولكنه رغم ذلك مصر على تحمل الآلام تحت تأثير الإيحاء الاجتماعي الذي يقسو عليه. والمرأة قد تلبس الملابس الخفيفة في الشتاء القارص. فهي ترتجف من البرد ثم تبتسم كأنها تفعل ذلك من ذوقها السليم. ونراها تخيط لنفسها ثوباً قصيرا حتى إذا جلست أخذت تمط فيه مطاً لكي تستر أفخاذها، ثم لا تسأل نفسها عن السبب الذي جعلها تخيط لنفسها ثوبا قصيرا وتمط فيه. وتنظر إليها ذات يوم فإذا بها تضع شيئا يشبه الحذاء على رأسها وتسميه قبعة. وهي لا تبالي أن تشتري هذه القبعة الحذائية- بأغلى الأثمان فتنهب أموال أبيها أو زوجها في سبيل أن تتخذ لنفسها أحدث الأزياء. وإذا تحدثت إليها أمطرتك بوابل من المصطلحات الجديدة تريد أن تبرهن بها أنها صارت من المفكرات النابغات. علي الوردي
اقتباسات أخرى للمؤلف