فراغٌ شديد مصبوغٌ بلون غيومٍ باكية تؤخرها خصلاتٌ شمسية بعثها شفقٌ راحل، شَعرَ به كل أهل الدينارية حينما سافَرَ عاصم وأهافا في منتصف الليل والبُلَيمي يتسمَّع عند نافذة قارون، وكأن حبَّهما قطعةٌ موسيقية يؤلفها ملحنٌ يعزف على آلة التشيللو تظهر فيه نغماتُه وتعلو على بقية الآلات، كان العازفُ يختبيء خلف شجرة سروُّ عتيقةٍ حولها أعشابٌ خضراء، ويعزف على استحياء بالتشيللو خشيةَ أن يُفتَضَح أمرُه ويقول عنه الناس إنه يعزف للعاشقين فتلاحقه لعناتٌ يهودية وقبطية ومسلِمة، وينتظره جان صيني هاربٌ من مصنع ألعاب أطفال مقامٍ تحت السلم في بكين فيعرض عليه أن يعزف بتشيللو صيني تفوح منه رائحةُ أحذية بلاستيك رخيصة ورديئة، وبمعجزةٍ موسيقية يهرب منه فيجد صحراءَ شاسعةً لبصره تفرد اتساعاً لكن يضيق به الأفق، ويبتعد قليلاًَ فيتوه في السرابِ الصحراوي ويخفت صوتُ العازف مع أن أهافا وعاصم كانا يأتِنسانِ بعزفِه ويَسري في جسدهما دفءٌ غريب. عبد السلام إبراهيم