فالرحمة المنسوبة للرحمن هي ليست مبالغة في الرحمة بمعناها التقليدي - صورة الأم التي تعفو باستمرار عن أولادها - ولكنها الرحمة بمعنى التوازن العميق الذي يلغي أسباب الخطأ ويفقده مبرراته، الرحمة بمعنى ألا يبغي شيء على شيء، ويظل هناك الحد الذي يحافظ على كيان كل شيء ويكون بمثابة صمام أمان للصورة بأسرها. ولذلك، فإن ابتداء سورة الرحمن بذكر اسم الرحمن، وارتباطها كلها بالرحمن، لن يلغي العقوبة التي يجب أن تحل على من يستحق العقوبة. فرحمة الرحمن هي في جوهرها التوازن والعدل، والتوازن والعدل لن يستقيما إذا تساوى الجميع، بل سيكون هناك يُعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام دون أن يكون هناك أي تناقض مع رحمة الرحمن.
أحمد خيري العمري