شرائع الله لعباده مبناها الرحمة الشاملة ٬ لا مكان فيها لإعنات أو إجحاف. قد يقسو الأب على أولاده أو يجهل أو يحيف. وقد يلحقه من طبيعة البشرية ما يشوب تأديبه لهم بالأثرة ٬ والغرض. أما رب العالمين فإنه يشرع لعباده ما يعود عليهم بالخير المحض ٬ وما يكفل مصلحتهم الصرف. فحنوه عليهم مقرون بالغنى المطلق عنهم. وهداياته لهم دائرة كلها على ما يصون محياهم ويرفع مستواهم إن الإنسان بدأ نفخة من روح الله. فالحفاظ على هذا النسب الشريف ٬ والإبقا ء على هذه الصلة الرفيعة هما سر القوانين التى تضبط سلوك الإنسان ٬ وتعصمه عن الدنايا ٬وتلزمه التقوى ٬ وترشحه آخر الأمر ٬ لجنة عرضها السموات والأرض..!! يريد الله للناس أن يخلفوه فى أرضه ٬ وأن يحيوا فيها علماء راسخين ٬ وأن يجعلوا منها مهادا حسنا لمعرفته وإنفاذ أمره. وما معرفته وإنفاذ أمره إلا منهاج الرشد والنفع لهم ٬ والضمان الأول والأخير لمصالحهم. ولو ترك الناس لأهوائهم لتدلوا إلى الحضيض ٬ ولعاشوا بعيدا عن شرائع الله فى درك تسوده الوحشة والريبة٬ والمظالم والظلمات. قال ابن القيم: `إن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد فى المعاش والمعاد. وهى عدل كلها ٬ ورحمة كلها ٬مصالح كلها. فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور ٬ وعن الرحمة إلى ضدها ٬ وعن المصلحة إلى المفسدة ٬ وعن الحكمة إلى العبث. فليست من الشريعة وإن دخلت فيها بالتأويل فالشريعة عدل الله فى عباده ٬ ورحمته بين خلقه ٬ وظله فى أرضه ٬ وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسله أتم دلالة وأصدقها.
محمد الغزالي