ﻭﻟﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﻭﺍﺣﺪﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻋﺎﺓ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓﺈﻧﻰ ﺃﻋﺘﺮﻑ ﺑﺄﻥ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻟﻢ ﻳﺠﺪ ﻣﻦ ﻳﺤﻤﻞ ﺣﻘﺎﺋﻘﻪ٬ ﻭﺃﻥ ﺩﻋﺎﺓ ﻛﺜﻴﺮﻳﻦ ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ ﻛﻼﻣﺎ ﻳﺴﺘﻐﺮﺑﻪ ﺃﻭﻟﻮ ﺍﻷﻟﺒﺎﺏ ﺣﺘﻰ ﺷﺎﻉ ﺃﻥ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺩﻳﻦ ﺣﻔﻨﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻜﺎﻡ ﺍﻟﻤﺘﺮﻓﻴﻦ ﺗﻌﻴﺶ ﻭﺳﻂ ﺃﻣﻢ ﺗﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺍﻷﻛﻞ٬ ﻻ ﺗﻌﺮﻑ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻜﺮﺍﻣﺔ ﻭﻻ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺍﻹﺑﺪﺍﻉ. ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻛﻠﻔﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﻤﻠﻚ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﻧﺴﺨﺮﻫﺎ ﻓﻰ ﺧﺪﻣﺔ ﻣﺜﻠﻪ ﻭﺃﻫﺪﺍﻓﻪ٬ ﻓﻘﻠﻨﺎ: ﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﻨﺎ ﺑﺎﻟﺪﻧﻴﺎ. ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺃﻣﺮﻧﺎ ﺑﺈﺻﻼﺡ ﺃﺟﺴﺎﺩﻧﺎ ﻛﻰ ﻧﻄﻮﻋﻬﺎ ﻟﺨﺪﻣﺔ ﻋﺰﺍﺋﻤﻨﺎ ﻭﺁﻣﺎﻟﻨﺎ ﻓﻘﻠﻨﺎ: ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻳﺴﺘﺤﺐ ﺍﻟﻬﺰﺍﻝ ﻭﺍﻟﺨﻔﻮﺕ ﻭﺍﻟﺠﻮﻉ ﻭﺍﻟﺴﻬﺮ.. ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻳﺄﻣﺮﻧﺎ ﺑﺤﺪﺓ ﺍﻟﻨﻈﺮ٬ ﻭﻋﻤﻖ ﺍﻟﻔﻜﺮ٬ ﻭﻧﺤﻦ ﻧﺘﺮﻙ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﻳﺬﻭﻯ٬ ﻣﻜﺘﻔﻴﻦ ﺑﺘﻼﻭﺍﺕ ﻭﺃﺫﻛﺎﺭ ﻻ ﻓﻘﻪ ﻓﻴﻬﺎ ﻭﻻ ﺗﺪﺑﺮ ﻣﻌﻬﺎ.. ﺇﻥ ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻛﻠﻬﺎ ﺗﺼﺒﺢ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﺍﻟﺠﺪﻭﻯ ﻣﻊ ﺳﻘﻢ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﻋﻮﺝ ﺍﻟﻔﻄﺮﺓ..ﻭﺍﻟﻐﺮﻳﺐ ﺃﻥ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻬﻮﻟﻬﻢ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺍﻷﻟﻴﻢ٬ ﻭﻳﻘﺮﺭﻭﻥ ﺍﻟﺘﻮﺑﺔ٬ ﻳﺴﻠﻜﻮﻥ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺫﺍﺗﻪ ﺍﻟﺬﻯ ﻗﺎﺩ ﻣﻦ ﻗﺒﻠﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻬﺰﻳﻤﺔ...ﻃﺮﻳﻖ ﺗﺪﻣﻴﺮ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ٬ ﻭﺍﻟﺠﻬﻞ ﺑﻬﺎ٬ ﻭﺍﻟﺒﻌﺪ ﻋﻨﻬﺎ! ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻫﻜﺬﺍ ﺳﻠﻔﻨﺎ ﺍﻟﻜﺒﺎﺭ. ﻟﻘﺪ ﻋﺮﻓﻮﺍ ﺃﻥ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻫﻮ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﻮﺿﻮﻋﺔ ﺑﻴﻦ ﻗﻮﺳﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﺘﺰﺍﻡ ﻫﺪﺍﻩ٬ ﻣﻊ ﺿﻤﻴﻤﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺍﺕ٬ ﺍﻟﺘﻰ ﺗﺰﻛﻰ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﻭﺍﻟﺠﺴﺪ ﻣﻌﺎ٬ ﻭﺗﺼﻠﺢ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺍﻵﺧﺮﺓ ﺟﻤﻴﻌﺎ... ﺇﻥ ﺍﻟﺪﻳﻦﻟﻢ ﻳﻘﻞ ﻟﻨﺎ: ﺍﺗﺮﻛﻮﺍ ﺍﻷﺭﺽ ﻭﻋﻴﺸﻮﺍ ﻓﻰ ﻛﻮﻛﺐ ﺁﺧﺮ! ﺑﻞ ﻗﺎﻝ ﺍﷲ ﻟﻨﺎ: ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﺧﻠﻖ ﻟﻜﻢ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ ﺟﻤﻴﻌﺎ . ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻟﻢ ﻳﻘﻞ ﻟﻨﺎ: ﺍﺯﻫﺪﻭﺍ ﻓﻰ ﺧﻴﺮﺍﺕ ﺍﻷﺭﺽ ﻭﺗﺮﻓﻌﻮﺍ ﻋﻦ ﺍﺭﺗﻔﺎﻗﻬﺎ ﻟﺘﻜﻮﻧﻮﺍ ﺃﺩﻧﻰ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻼﺋﻜﺔ..! ﺑﻞ ﻗﺎﻝ ﻟﻨﺎ: ﻳﺎ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨﻮﺍ ﻛﻠﻮﺍ ﻣﻦ ﻃﻴﺒﺎﺕ ﻣﺎ ﺭﺯﻗﻨﺎﻛﻢ ﻭﺍﺷﻜﺮﻭﺍ ﷲ ﺇﻥ ﻛﻨﺘﻢ ﺇﻳﺎﻩ ﺗﻌﺒﺪﻭﻥ . ﻭﻳﻌﻠﻢ ﺍﷲ ﺃﻥ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺳﻮﻑ ﻳﺘﻘﻌﺮ ﻭﻳﺘﻜﻠﻒ ﻣﺎ ﻻ ﻳﺤﺴﻦ ﻭﻳﺮﻳﺪ ﻟﻴﺸﺮﻉ ﻟﻠﻨﺎﺱ ﻣﺎ ﻳﻈﻨﻪ ﺃﻟﻴﻖ ﺑﻬﻢ! ﻓﻴﻘﻮﻝ ﺍﷲ ﻟﻬﺆﻻء: ﻗﻞ ﺃﺭﺃﻳﺘﻢ ﻣﺎ ﺃﻧﺰﻝ ﺍﷲ ﻟﻜﻢ ﻣﻦ ﺭﺯﻕ ﻓﺠﻌﻠﺘﻢ ﻣﻨﻪ ﺣﺮﺍﻣﺎ ﻭﺣﻼﻻ ﻗﻞ ﺁﷲ ﺃﺫﻥ ﻟﻜﻢ ﺃﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﷲ ﺗﻔﺘﺮﻭﻥ . ﻭﻳﻌﻠﻢ ﺍﷲ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺃﻥ ﺍﻷﺭﺽ ﺳﻮﻑ ﺗﺴﻜﻨﻬﺎ ﻗﻠﺔ ﻣﺆﻣﻨﺔ٬ ﻭﻛﺜﺮﺓ ﻛﺎﻓﺮﺓ٬ ﻭﺃﻥ ﺍﻻﺳﺘﻤﻜﺎﻥ ﻣﻦ ﺧﻴﺮﺍﺕ ﺍﻷﺭﺽ ﺍﻟﺒﺎﻃﻨﺔ ﻭﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻗﻮﺓ ﻷﺻﺤﺎﺑﻪ٬ ﻭﺩﻋﻢ ﻟﻤﺒﺎﺩﺋﻬﻢ٬ ﻓﻜﻴﻒ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﺇﺫﺍ ﻗﺪﺭ ﺍﻟﻜﺎﻓﺮﻭﻥ٬ ﻭﻋﺠﺰ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻮﻥ؟ ﺃﺋﻰ ﻟﻠﺤﻖ ﻣﺎ ﻳﻤﺪﻩ ﺑﺎﻟﻔﻮﺯ؟ ﻭﻳﺮﺟﺢ ﻛﻔﺘﻪ ﻓﻰ ﺍﻟﻜﻔﺎﺡ؟ ﻟﺬﻟﻚ ﻗﺎﻝ ﺍﷲ ﻓﻰ ﻭﺻﻒ ﻣﻌﺪﻥ ﺍﻟﺤﺪﻳﺪ ﻭﺃﻧﺰﻟﻨﺎ ﺍﻟﺤﺪﻳﺪ ﻓﻴﻪ ﺑﺄﺱ ﺷﺪﻳﺪ ﻭﻣﻨﺎﻓﻊ ﻟﻠﻨﺎﺱ ﻭﻟﻴﻌﻠﻢ ﺍﷲ ﻣﻦ ﻳﻨﺼﺮﻩ ﻭﺭﺳﻠﻪ ﺑﺎﻟﻐﻴﺐ !ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻤﻔﺮﻭﺽ ـ ﺇﺫﺍ ﺍﺭﺗﻔﻌﺖ ﺻﻴﺤﺔ ﻣﻦ ﺃﻧﺼﺎﺭﻯ ﺇﻟﻰ ﺍﷲ ـ ﺃﻥ ﻳﻬﺐ ﺭﺟﺎﻝ ﺍﻟﺤﻖ ﺑﻤﺎ ﻳﺼﻨﻌﻮﻥ ﻣﻦ ﺳﻼﺡ ﻓﻴﺪﺍﻓﻌﻮﺍ ﺍﻟﻌﺪﻭﺍﻥ ﻭﻳﻜﺴﺮﻭﺍ ﺍﻟﻄﻐﻴﺎﻥ! ﺃﻣﺎ ﺃﻥ ﺗﺮﻯ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﺑﻴﻦ ﺃﻋﺰﻝ ﻋﺎﺟﺰ٬ ﻭﺃﺣﻤﻖ ﻗﺎﻋﺪ ﻋﻠﻰ ﺣﻴﻦ ﺍﻧﻄﻠﻘﺖ ﻟﻠﻜﻔﺮ ﻣﺪﺭﻋﺎﺗﻪ ﻭﻧﻔﺎﺛﺎﺗﻪ٬ ﻓﻬﺬﻩ ﻫﻰ ﺍﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﻭﺍﻟﻨﻜﺒﺔ ﺍﻟﺠﺎﺋﺤﺔ ﻟﻺﻳﻤﺎﻥ ﻭﺃﻫﻠﻪ.
محمد الغزالي