إلّا أن الأسى كان يغزو قلب الوالد الجليل وهو يودع ابناءه الثرى , فيجدد الثكل ما رسب في أعماقه من آلام اليتم . إن غصنه تشبث بالحياة فاستطاع البقاء والنماء برغم فقدانه أبويه . وها هو ذا يرى أغصانه المنبسقة عنه تذوي مع رغبته العميقة ورغبة شريكة حياته في ان يرياها مزهرة مثمرة , وكأن الله أراد أن يجعل الرقة الحزينة جزءاً من كيانه ! فإن الرجال الذين يسوسون الشعوب لا يجنحون إلى الجبروت إلا إذا كانت نفوسهم قد طبعت على القسوة والاثرة وعاشت في أفراح لا يخامرها كدر , أما الرجل الذي خبر الآلام فهو أسرع الناس إلى مواساة المحزونين ومداواة المجروحين.
محمد الغزالي