أمتنا قد أصيبت بما يشبه الأمراض المتناقضة! أعنى الأمراض التى يكون علاج أحدها على حساب الآخر، كمن يصاب بالسل والسكر معا، فإن الأغذية التى يحتاج إليها فى مقاومة هذا المرض ربما زادت ضراوة المرض الآخر...!!! فمثلا الإسلام دين ودنيا، والمسلم الحق آخذ من كليهما بنصيب على نحو ما قال الشاعر: فلا هو فى الدنيا مضيع نصيبه ولا عرض الدنيا عن الدين شاغله! فماذا تصنع لامرئ سفيه ضاعت منه دنياه، وضاع عليه دينه؟ والواجب على من يتصدى لعلاج هذه الأمة، أن يكشف القناع عن جانب القضية كلها، ليعلم أهل الإسلام أن مواريث الأجداد لا تغنى عن جهاد الأحفاد. وأن انتسابنا إلى الإسلام لا يعطينا عند الله حق المسلم إذا كان المبطلون أشد منا تمسكا بباطلهم، وأغزر إنتاجا له...!!! ثم إن العمل الصورى لا جدوى منه...! أعرف أناسا يتوضأون وتبقى أجسامهم وسخة! لماذا؟ إن الوضوء فى وهمهم لا يعنى غير امرار الماء على أعضاء معينة! أما أنه وسيلة للنظافة، فلا...!! وأعرف أناسا يصلون وتبقى أرواحهم كدرة! لماذا؟ إن الصلاة فى فهمهم لا تعنى أكثر من تحريك الجسم فى أوقات محددة. أما إنها معراج للصفو والنور، فلا..!! وأى نظام فى الدنيا يتناوله أتباعه بهذا الشكل هيهات أن يرفع لهم خسيسة. كم من حضارة فى العالم ماتت لأنها تحولت إلى مراسم ورياء...! وكم من ديانة انتهى أمدها، وقضى الله بانقضاء أجلها، لأنها تجاوزت القلوب وأضحت بين أصحابها تزويرا، وانتفاعا رخيصا، وأثرة، ومروقا عن أمر الله...! (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون) .
محمد الغزالي