ﻗﺮﺭ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺃﻥ ﺑﻘﺎء ﺍﻷﻣﻢ ﻭﺍﺯﺩﻫﺎﺭ ﺣﻀﺎﺭﺗﻬﺎ٬ ﻭﺍﺳﺘﺪﺍﻣﺔ ﻣﻨﻌﺘﻬﺎ٬ ﺇﻧﻤﺎ ﻳُﻜﻔﻞ ﻟﻬﺎ٬ ﺇﺫﺍ ﺿﻤﻨﺖ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻷﺧﻼﻕ ﻓﻴﻬﺎ٬ ﻓﺈﺫﺍ ﺳﻘﻄﺖ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﺳﻘﻄﺖ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻣﻌﻪ. ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺍﻷﻣﻢ ﺍﻷﺧﻼﻕ ﻣﺎ ﺑﻘﻴﺖ ﻓﺈﻥ ﻫﻢ ﺫﻫﺒﺖ ﺃﺧﻼﻗﻬﻢ ﺫﻫﺒﻮﺍ ﻭﻳﺆﻛﺪ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺣﺪﻳﺚ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﻟﻘﻮﻣﻪ ﻭﻋﺸﻴﺮﺗﻪ٬ ﻓﻘﺪ ﺭﺷﺤﺘﻬﻢ ﻣﻜﺎﻧﺘﻬﻢ ﻓﻰ ﺟﺰﻳﺮﺓ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﻟﺴﻴﺎﺩﺗﻬﺎ٬ ﻭﺗﻮﻟﻰ ﻣﻘﺎﻟﻴﺪ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﺑﻬﺎ. ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﻨﺒﻰ ﺃﻓﻬﻤﻬﻢ ﺃﻻ ﺩﻭﺍﻡ ﻟﻤﻠﻜﻬﻢ ﺇﻻ ﺑﺎﻟﺨﻠﻖ ﻭﺣﺪﻩ. ﻓﻌﻦ ﺃﻧﺲ ﺑﻦ ﻣﺎﻟﻚ ﻗﺎﻝ: ﻛﻨﺎ ﻓﻰ ﺑﻴﺖ ﻓﻴﻪ ﻧﻔﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻬﺎﺟﺮﻳﻦ ﻭﺍﻷﻧﺼﺎﺭ٬ ﻓﺄﻗﺒﻞ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﷲ ـ ﺻﻠﻰ ﺍﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ـ ٬ ﻓﺠﻌﻞ ﻛﻞ ﺭﺟﻞ ﻳﻮﺳﻊ ﺭﺟﺎء ﺃﻥ ﻳﺠﻠﺲ ﺇﻟﻰ ﺟﻨﺒﻪ.. ﺛﻢ ﻗﺎﻡ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺒﺎﺏ ﻓﺄﺧﺬ ﺑﻌﻀﺎﺩﺗﻴﻪ٬ ﻓﻘﺎﻝ: ﺍﻷﺋﻤﺔ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺶ٬ ﻭﻟﻰ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﺣﻖ ﻋﻈﻴﻢ٬ ﻭﻟﻬﻢ ﺫﻟﻚ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﻮﺍ ﺛﻼﺛﺎ: ﺇﺫﺍ ﺍﺳﺘُﺮْﺣﻤﻮﺍ ﺭَﺣﻤﻮﺍ٬ ﻭﺇﺫﺍ ﺣﻜﻤﻮﺍ ﻋﺪ ﻟﻮﺍ٬ ﻭﺇﺫﺍ ﻋﺎﻫﺪﻭﺍ ﻭﻓﻮﺍ٬ ﻓﻤﻦ ﻟﻢ ﻳﻔﻌﻞ ﺫﻟﻚ ﻓﻌﻠﻴﻪ ﻟﻌﻨﺔ ﺍﷲ ﻭﺍﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﻭﺍﻟﻨﺎﺱ ﺃﺟﻤﻌﻴﻦ . ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺣﺎﺳﻢ ﻓﻰ ﺃﻧﻪ ﻻ ﻣﻜﺎﻧﺔ ﻷﻣﺔ ﻭﻻ ﻟﺪﻭﻟﺔ ﻭﻻ ﻷﺳﺮﺓ ﺇﻻ ﺑﻤﻘﺪﺍﺭ ﻣﺎ ﺗﻤﺜﻞ ﻓﻰ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﻦ ﺻﻔﺎﺕ ﻋﺎﻟﻴﺔ٬ ﻭﻣﺎ ﺗﺤﻘﻖ ﻣﻦ ﺃﻫﺪﺍﻑ ﻛﺮﻳﻤﺔ. ﻓﻠﻮ ﺃﻥ ﺣﻜﻤﺎ ﺣﻤﻞ ﻃﺎﺑﻊ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻭﺍﻟﻘﺮﺁﻥ٬ ﺛﻢ ﻧﻈﺮ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺇﻟﻴﻪ ﻓﻮﺟﺪﻭﻩ ﻻ ﻳﻌﺪﻝ ﻓﻰ ﻗﻀﻴﺔ٬ ﻭﻻ ﻳﺮﺣﻢ ﻓﻰ ﺣﺎﺟﺔ٬ ﻭﻻ ﻳﻮﻓﻰ ﻓﻰ ﻣﻌﺎﻫﺪﺓ٬ ﻓﻬﻮ ﺑﺎﺳﻢ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻭﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻗﺪ ﺍﻧﺴﻠﺦ ﻋﻦ ﻣﻘﻮﻣﺎﺗﻪ ﺍﻟﻔﻀﺎﻟﺔ٬ ﻭﺃﺻﺒﺢ ﺃﻫﻼ ﻷﻥ ﻳﻌﻦ ﻓﻰ ﻓﺠﺎﺝ ﺍﻷﺭﺽ ﻭﺁﻓﺎﻕ ﺍﻟﺴﻤﺎء. ﻭﺭﻭﻯ ﺍﻟﺤﺴﻦ ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﷲ ـ ﺻﻠﻰ ﺍﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ـ : ﺇﺫﺍ ﺃﺭﺍﺩ ﺍﷲ ﺑﻘﻮﻡ ﺧﻴﺮﺍ ﻭﻟﻰ ﺃﻣﺮﻫﻢ ﺍﻟﺤﻜﻤﺎء٬ ﻭﺟﻌﻞ ﺍﻟﻤﺎﻝ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺴﺤﻤﺎء٬ ﻭﺇﺫﺍ ﺃﺭﺍﺩ ﺍﷲ ﺑﻘﻮﻡ ﺷﺮﺍ ﻭﻟﻰ ﺃﻣﺮﻫﻢ ﺍﻟﺴﻔﻬﺎء٬ ﻭﺟﻌﻞ ﺍﻟﻤﺎﻝ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺒﺨﻼء. ﻣﻦ ﺃﻗﻮﺍﻝ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺍﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ: ﺇﻥ ﺍﷲ ﻳﻘﻴﻢ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻌﺎﺩﻟﺔ٬ ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﻛﺎﻓﺮﺓ ﻭﻻ ﻳﻘﻴﻢ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻈﺎﻟﻤﺔ٬ ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺴﻠﻤﺔ . ﺇﻥ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﻓﻰ ﻣﻨﺎﺑﻊ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺍﻷﻭﻟﻰ ـ ﻣﻦ ﻛﺘﺎﺏ ﻭﺳﻨﺔ ـ ﻫﻮ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻛﻠﻪ٬ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻛﻠﻬﺎ٬ ﻓﺈﻥ ﻧﻘﺼﺖ ﺃﻣﺔ ﺣﻈﺎ ﻣﻦ ﺭﻓﻌﺔ ﻓﻰ ﺻﻠﺘﻬﺎ ﺑﺎﷲ٬ ﺃﻭ ﻓﻰ ﻣﻜﺎﻧﺘﻬﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻓﺒﻘﺪﺭ ﻧﻘﺼﺎﻥ ﻓﻀﺎﺋﻠﻬﺎ ﻭﺍﻧﻬﺰﺍﻡ ﺧﻠﻘﻬﺎ.
محمد الغزالي