دار بینى وبین أحد الملاحدة جدال طویل، ملكت فیھ نفسى وأطلت صبرى حتى ألقف آخر ما فى جعبتھ من إفك، وأدمغ بالحجة الساطعة ما یوردون من شبھات .. قال: إذا كان الله قد خلق العالم فمن خلق الله ؟ قلت لھ: كأنك بھذا السؤال أو بھذا الاعتراضتؤكد أنھ لا بد لكل شىء من خالق !! قال: لا تلقنى فى متاھات، أجب عن سؤال. قلت لھ: لا لف ولا دوران، إنك ترى أن العالم لیس لھ خالق، أى أن وجوده من ذاتھ دون حاجة إلى موجد، فلماذا تقبل القول بأن ھذا العالم موجود من ذاتھ أزلاً وتستغرب من أھل الدین أن یقولوا: إن الله الذى خلق العالم لیس لوجوده أول ؟ إنھا قضیة واحدة، فلماذا تصدق نفسك حین تقررھا وتكذب غیرك حین یقررھا، وإذا كنت ترى أن إلھاً لیس لھ خالق خرافة، فعالم لیس لھ خالق خرافة كذلك، وفق المنطق الذى تسیر علیھ .. !! قال: إننا نعیش فى ھذا العالم ونحس بوجوده فلا نستطیع أن ننكره ! قلت لھ: ومن طالبك بإنكار وجود العالم ؟ إننا عندما نركب عربة أو باخرة أو طائرة تنطلق بنا فى طریق رھیب، فتساؤلنا لیس فى وجود العربة، وإنما ھو: ھل تسیر وحدھا أم یسیرھا قائد بصیر !! ومن ثم فإننى أعود إلى سؤالك الأول لأقول لك: إنھ مردود علیك، فأنا وأنت معترفان بوجود قائم، لا مجال لإنكاره، تزعم أنھ لا أول لھ بالنسبة إلى المادة، وأرى أنھ لا أول لھا بالنسبة إلى خالقھا . فإذا أردت أن تسخر من وجود لا أول لھ، فاسخر من نفسك قبل أن تسخر من المتدینین .. قال: تعنى أن الافتراض العقلى واحد بالنسبة إلى الفریقین ؟ قلت: إننى أسترسل معك لأكشف الفراغ والادعاء الذین یعتمد علیھما الإلحاد وحسب، أما الافتراض العقلى فلیس سواء بین المؤمنین والكافرین .. إننى أنا وأنت ننظر إلى قصر قائم، فأرى بعد نظرة خبیرة أن مھندساً أقامھ، وترى أنت أن خشبه وحدیده وحجره وطلاءه قد انتظمت فى مواضعھا وتھیأت لساكنیھا من تلقاء أنفسھا .. الفارق بین نظرتینا إلى الأمور أننى وجدت قمراً صناعیاً یدور فى الفضاء، فقلت أنت: انطلق وحده دونما إشراف أو توجیھ وقلت أنا: بل أطلقھ عقل مشرف مدبر.
محمد الغزالي