صدر أمر عام من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرج المسلمون لملاقاة جيش الشرك ومواجهته على أية حال، وأرجف المنافقون أن حشود العدو كبيرة لا يثبت أمامها أحد، وقال المؤمنون: ليكن!.لن ننكص عن القتال وواجهوا الموقف وابيضت وجوههم وأخزى الله عدوهم، وقال سبحانه: (إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين) نعم.. ثمرة الإيمان أن يكون الخوف والرجاء فى جنب الله وحده.. وتوقع النصر أو الهزيمة من عنده وحده، وذلك معنى قوله سبحانه: (إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون). ويخامرنى شعور أن أعداء الإسلام على اختلاف مللهم رأوا أن يبتوا فى مستقبله على نحو هائل! فهل يفل هذا العزم الخبيث تردد وارتياب؟ ليس أمامنا إلا أن نصدق الله، ونثوب إلى رشدنا وندخل أفواجا فى ديننا، وندع التفريط أبدا...وإلا صرنا أحاديث يرويها التاريخ، وأثرا بعد عين.. عمل الإيمان فى النفس كعمل الكاتب على آلة الكتابة، أو عمل جامع الحروف فى المطبعة وفق أصل معين. كانت الحروف خليطا مبعثرا لا يفيد معنى ما، ثم صارت رسالة ذات غرض، أو كتابا مفهوم العبارات والغايات... صياغة الإسلام للنفس البشرية كذلك كانت النفس الإنسانية قبل أن ينظمها الدين أو يشكلها على نسق مقصود، لقد كان العرب ركاما غامضا قبل أن يسلموا، فلما دخلوا فى دين الله تحول هذا الركام إلى كيان آخر فيه وسامة، وله معنى يستفاد. وكانت الملكات الإنسانية فوضى فرتبت، وعقيمة فأثمرت، ومتضاربة فتعاونت، فأصبح العرب بالإسلام كتابا يقرأ ويفيد ويعجب ويغرى الآخرين بالاقتداء!!. إننى الآن أنظر فى الملكات الإنسانية والتقاليد الاجتماعية والأخلاق العامة التى تسود أمتنا فأرى أن الإسلام لم يصنع بها شيئا! لأن الأمة التي تنتسب إليه تأبى عليه أن يقوم بعمله! يكفيها الانتماء!. الإسلام يبنى اليقين على الفكر الثاقب، والنظر الحسن فى الكون وآفاقه.. والمسلمون تغلب عليهم الأمية أو الثقافات الضحلة، أو المعارف التى مزجت الغيوب بالخرافات، فلا هى دين ولا هى دنيا. الإسلام يسخر الكون للإنسان العاقل الذكى الدءوب المكافح. واقع أليم والمسلمون اليوم مسخرون فى الكون لكل ذى غلبة وبأس بعدما فقدوا الذكاء والكفاح على ظهر الأرض .
محمد الغزالي