... نعرف ماذا يخبّي هذا الغموض البليغ لنا
سماءٌ تدلّت على ملحنا تسلم الرّوح. صفصافةٌ
تسير على قدم الرّيح، وحشٌ يؤسّس مملكةً في
ثقوب الفضاء الجريح... وبحرٌ يملّح أخشاب أبوابنا،
ولم تكن الأرض أثقل قبل الخليقة، لكنّ شيئًا
كهذا عرفناه قبل الزّمان... ستروي الّرياح لنا
بدايتنا والنّهاية، لكنّنا ننزف اليوم حاضرنا
وندفن أيّامنا في رماد الأساطير، ليست أثينا لنا،
ونعرف أيّامكم من دخان المكان، وليست أثينا لكم،
ونعرف ما هيّأ المعدن - السّيّد اليوم من أجلنا
ومن أجل آلهةٍ لم تدافع عن الملح في خبزنا
ونعرف أنّ الحقيقة أقوى من الحقّ، نعرف أنّ الزّمان
تغيّر، منذ تغيّر نوع السّلاح. فمن سوف يرفع أصواتنا
إلى مطرٍ يابسٍ في الغيوم? ومن يغسل الضّوء من بعدنا
ومن سوف يسكن معبدنا بعدنا? من سيحفظ عاداتنا
من الصّخب المعدنيّ? (نبشّركم بالحضارة) قال الغريب، وقال:
أنا سيّد الوقت، جئت لكي أرث الأرض منكم.
فمرّوا أمامي، لأحصيكم جثّةً جثّةً فوق سطح البحيرة
(أبشّركم بالحضارة) قال، لتحيا الأناجيل، قال، فمرّوا
ليبقى لي الرّبّ وحدي، فإنّ هنودًا يموتون خيرٌ
لسيّدنا في العلا من هنودٍ يعيشون، والرّبّ أبيض
وأبيض هذا النّهار: لكم عالمٌ ولنا عالم...
يقول الغريب كلامًا غريبًا، ويحفر في الأرض بئرًا
ليدفن فيها السّماء. يقول الغريب كلامًا غريبًا
ويصطاد أطفالنا والفراش. بماذا وعدت حديقتنا يا غريب?
بوردٍ من الزّنك أجمل من وردنا? فليكن ما تشاء
ولكن، أتعلم أنّ الغزالة لا تأكل العشب إن مسّه دمنا?
أتعلم أنّ الجواميس إخوتنا والنّباتات إخوتنا يا غريب?
فلا تحفر الأرض أكثر! لا تجرح السّلحفاة الّتي
تنام على ظهرها الأرض، جدّتنا الأرض، أشجارنا شعرها
وزينتنا زهرها. (هذه الأرض لا موت فيها)، فلا
تغيّر هشاشة تكوينها! لا تكسّر مرايا بساتينها
ولا تجفل الأرض، لا توجع الأرض. أنهارنا خصرها
وأحفادها نحن، أنتم ونحن، فلا تقتلوها...
سنذهب، عمّا قليلٍ، خذوا دمنا واتركوها
كما هي،
أجمل ما كتب اللّه فوق المياه،
له... ولنا
سنسمع أصوات أسلافنا في الرّياح، ونصغي
إلى نبضهم في براعم أشجارنا. هذه الأرض جدّتنا
مقدّسةٌ كلّها، حجرًا حجرًا، هذه الأرض كوخٌ
لآلهةٍ سكنت معنا، نجمةً نجمةً، وأضاءت لنا
ليإلى الصّلاة... مشينا حفاةً لنلمس روح الحصى
وسرنا عراةً لتلبسنا الرّوح، روح الهواء، نساء
يعدن إلينا هبات الطّبيعة - تاريخنا كان تاريخها. كان للوقت
وقتٌ لنولد فيها ونرجع منها إليها: نعيد إلى الأرض أرواحها
رويدًا رويدًا. ونحفظ ذكرى أحبّتنا في الجرار
مع الملح