وكذلك عاش المغيرة هذه الأعوام العشرة مستريحاً مريحاً، أرضى السلطان وأرضى الرعية وأرضى نفسه، وإنْ لم يكن إرضاء نفسه يسيراً. فقد كان صاحب لذة ومسرفاً على نفسه وعلى الناس، كثير الزواج كثير الطلاق، لم يكن يتزوج واحدة واحدة ويطلق حين يجتمع له أربع زوجات وحين يريد أن يستزيد، وإنما كان كثيراً ما يطلق أربعاً ويتزوج أربعاً، حتى أسرف المؤرخون عليه بعد ذلك. فزعم المكثرون أنه تزوج ألف امرأة في حياته الطويلة. وزعم المقللون أنه تزوج مائة أو تسعاً وتسعين. وتوسط المعتدلون فزعموا أنه تزوج ثلثمائة. وليس من شك في أنه كان يؤدي إلى هؤلاء الزوجات مهوراً. وليس من شك كذلك في أنه كان يُرضي كثيراً منهن عن الطلاق السريع. وما أحسب أن ثروته الخاصة كانت تقوم له بهذا السرف الكثير. فحياة المغيرة كما ترى كانت خليطاً من العمل الصالح والعمل السييء، وأمره وأمرها بعد ذلك إلى الله. ولكن المهم هو أن سياسته، حين ولي الكوفة لمعاوية، قد يسرت للشيعة أمرها تيسيراً، حتى كان أهل الكوفة يذكرونه بالخير كلما بلوا بعده قسوة الأمراء. طه حسين