طه حسين
تريد أن تعلم إلى أي حد وصل العقل الإنساني في القرن الرابع قبل المسيح في دروس مسألة بعينها من مسائل الطبيعة أو ما بعد الطبيعة ؟ فمرجعك في ذلك إنما هو أرسطاطاليس ، تجد فيه نتائج البحث الذي سبقه . وتجد فيه نقد هذه النتائج ، وتجد فيه رأيه الخاص في هذه النتائج ، ومن هنا انقسمت فلسفة أرسطاطاليس إلى قسمين أساسيين : أحدهما القسم الذي أحدث آثاره الطبيعية المعقولة ، ثم أصبح شيئًا تاريخيًّا يرجع إليه الذين يدرسون تاريخ الفلسفة وتاريخ الحياة العقلية عامة ؛ ليستعينوا على فهم هذا التاريخ ، وهذا القسم هو المباحث التي تتصل بالطبيعة وما بعد الطبيعة ؛ فهو يدرس الآن ويدرس درسًا دقيقًا لا ينتفع به انتفاعًا مباشرًا في الحياة العملية ، بل ليستعان به على فهم العقل الإنساني وما ناله من التطور على اختلاف العصور ؛ وليس هذا بالشيء القليل . والآخر هو القسم الذي أحدث آثاره الطبيعية المعقولة ، وما زال يحدثها ، وسيحدثها أبدًا دون أن يناله في ذلك ضعف أو قصور ، أي هو القسم الذي بقي وسيظل صالحًا للبقاء ، والذي لم يستطع العقل الإنساني على رقيه ونضوجه أن يمحوه أو يغير منه قليلًا ، وهو كل ما تركه أرسطاطاليس في المنطق والأدب والأخلاق والسياسة . فقد استقصى أرسطاطاليس في المنطق قوانين العقل الإنساني في البحث والتفكير على اختلاف درجاتهما وأطوارهما ؛ وهذه القوانين ثابتة لا تتغير ، ملائمة للإنسان من حيث هو إنسان ، لا من حيث إنه شرقي أو غربي ، ولا من حيث إنه قديم أو حديث .طه حسين
اقتباسات أخرى للمؤلف