وإذًا فليس من الحق أن أرسطاطاليس فيلسوف قديم ، وإنما الحق أنه فيلسوف خالد ملائم لكل زمان ولكل مكان ، وهو — كما سمَّاه الغرب حقًّا — المعلم الأول . وهو بحكم هذا الاسم قائد من قادة الفكر ، أو قُلْ : أكبر قائد من قادة الفكر ، وكيف تريد أن أثبت لك أنه أكبر قائد من قادة الفكر وأنت تعلم معي أن فلسفة أرسطاطاليس سيطرت منذ ظهورها على العقل الإنساني القديم ، وأنها هي التي كانت لها الأثر الأكبر في تكوين العقل العربي الإسلامي ، وفي وجود فلسفة العرب وعلم الكلام عندهم ، وهي التي تغلغلت في الحياة العربية حتى أثرت في البيان العربي تأثيرًا قويًّا ، وهي التي كونت العقل الأوربي في القرون الوسطى ، وهي التي اتخذها العقل الأوربي مصدرًا وأساسًا لعلمه وفلسفته في العصر الحديث . بل هناك ميزة يختص بها أرسطاطاليس دون غيره من الفلاسفة القدماء والمحدثين ، وهي أن خصومه والمنتمين إلى المذاهب الفلسفية والدينية المناقضة لفلسفته يتخذون فلسفته نفسها وسيلة إلى محاربته ، فالأفلاطونيون ينقضون فلسفة أرسطاطاليس بنفس القواعد التي كشفها أرسطاطاليس للبحث والنقض والاستدلال ؛ وكذلك قل عن المسيحيين والمسلمين والمحدثين من الفلاسفة ، كل أولئك استخدم وما زال يستخدم منطق أرسطاطاليس لمخاصمة أرسطاطاليس . إذًا فهذا الاسم من الأسماء الخالدة التي قد تكون أشد من الدهر قدرة على البقاء ، إن صح مثل هذا التعبير . ومن أراد أن يبحث عن قادة الفكر فلن يستطيع أن يوفق لإجادة البحث وإحسانه إلا إذا عُنِيَ بأسطاطاليس وفلسفته ، وأنزلهما منزلتهما الحقيقية ، وهي المنزلة الأولى .طه حسين