ولم يستقبل المسلمون خلافة عليّ بمثل ما استقبلوا به خلافة عثمان مِن رضى النفوس وابتهاج القلوب واطمئنان الضمائر واتساع الأمل وانبساط الرجاء، وإنما استقبلوا خلافته في كثير من الوجوم والقلق والإشفاق واضطراب النفوس واختلاط الأمر، لا لأن عليّاً كان خليقاً أن يُثير في نفوسهم وقلوبهم شيئاً من هذا، بل لأن ظروف حياتهم قد اضطرتهم إلى هذا كله اضطراراً. فقد نهض عثمان بالأمر بعد خليفة قويّ شديد صعب المراس أرهقهم من أمرهم عُسْراً بما كان يسلك بهم إلى العدل من طريق وَعْرة خشنة لا يصبر على سلوكها إلاّ أولو العزم وأصحاب الجلد من الناس. وقد صوّرنا لك فيما مضى من هذا الكتاب شدة عمرَ على المسلمين عامة في ذات الله، وقسوته على قريش خاصة، يخاف عليهم الفتنة ويخاف منهم الفتنة أيضاً. فلما نهض عثمان بأمر الناس أعطاهم لِيناً بعد شدة وإسماحاً بعد عُنف وسعة بعد ضيق ورضاء بعد مشقّة وجهد؛ فزاد في أعطياتهم ويسّر لهم من أمرهم ما كان عسيراً حتى آثروه في أعوامه الأولى على عمر. وأقبل عليّ بعد مقتل عثمان فلم يوسع للناس في العطاء ولم يمنحهم النوافل من المال ولم ييسر لهم أمورهم، وإنما استأنف فيهم سيرةَ عمر من حيث انقطعت، ومضى بهم في طريقه من حيث وقف.طه حسين