يوسف السباعي
ولكن الصبية كانت شيطانةً صغيرةً، عابثةً ماجنةً، ولم تكن طبيعة خلقها لتلائم ذلك الجو الذي نشأت فيه. وكانت نفسها المرحة الضاحكة تتلهف شوقاً إلى رؤية ما وراء الجدران القاتمة المظلمة. ولم يكن لديها شكٌ في أن خارج هذا السجن الذي تعيش فيه يوجد عالمٌ مزدهرٌ باسمٌ، يفيض بالنعيم، ويزخر بالهناء والسعادة. وكثيراً ما كانت تسائل نفسها: ترى لماذا يرغب هؤلاء الأغبياء الذين حولها في البقاء في هذا المكان الموحش البغيض؟ لم يحرمون أنفسهم من نعيم الله، ويزهدون في عطاياه؟ لقد قالوا لها إنهم يشقون في الدنيا ليسعدوا في الآخرة، وهي لا تستسيغ قولهم هذا قط، فمع فرض أن هناك آخرةً كما يقولون، فلم لا يسعدون في الدنيا والآخرة معاً؟ وقالوا لها إن في هذا الزهد والحرمان مجلبةً لرضاء الرب ولكنها لا تظن أن الرب يرضيه حرمانهم مما وهبهم، ولا زهدهم فيما أعطاهم، وإلا لوفر جهده وكف عطاياه، وأحجم عن منحه. لا، لا، إنها لا تستطيع قط أن تهضم أقوالهم، فإما أنهم مجانين، وإما أنها هي المجنونة، وإلا فكيف تصدق أن عملهم هذا هو سبيلٌ لحمد الله وشكره، وعلام يُِشكر الله ويُحمد إذا كانوا قد زهدوا في كل ما من عليهم به؟ إنما مثل ذلك السائل يعطيه المرء حسنةً فيلقي بالحسنة في الثرى، ثم يضيع عمره في شكر المحسن وحمده! يوسف السباعي
اقتباسات أخرى للمؤلف