عباس محمود العقاد
و كلها أعمال تتلخص في الرياء أو في إظهارها غير ما تبطنه و احتيالها للدس و الإخفاء. و الرياء صفة عامة تشاهد في كثير من المستضعفين من الرجال و النساء، و أسبابه الاجتماعية تحدث لكل ضعيف يقهره غيره، فلا يخص المرأة دون الرجل، و لا ينحصر بين فئة من الناس دون فئة، و قد يحدث للحيوان الضعيف و يلجئه إلى المراوغة و الملق، و هو لا يتكلف لذلك كما يتكلف الإنسان الذي يفكر فيما يعمل و فيما يقصد إليه. و يُنسَب رياء المرأة إلى الضرورات التي فرضها عليها الضعف في حياتها الاجتماعية أو حياتها البيتية، و قد يظهر فيها على نحو يناسبها حتى يتلبَّس بالبواعث الأنثوية المقصورة عليها.فلا تختص به في أصوله، إذ كانت أصوله من الضعف الذي يشاركها فيه جميع الضعفاء، و إنما تختص به لأن بواعثها الأنثوية مقصورة على جنسها. إلا أن الرياء الأنثوي الذي يصح أن يقال فيه إنه رياء المرأة خاصة، إنما يرجع إلى طبيعة في الأنوثة تَلْزمها في كل مجتمع، و لا تفرضه عليها الآداب و الشرائع، و لا يفارقها باختيارها أو بغير اختيارها، بل لعلها هي تأبى أن يفارقها و لو وكَّل إليها الاختيار فيه. فمن أصول هذا الرياء في تكوين الأنثى أنها مجبولة على التناقض بين شعورها بغريزة حب البقاء، و شعورها بغريزتها النوعية. فهي تتعرض للخطر على الحياة و تفرح بوفاء أنوثتها في وقت واحد، و هي إذ تضع حملها تتألم أشد الألم و تعاني جزع الخشية على حياتها حين تخامرها و تسري في كيانها غبطة الأم التي أتمت وجودها و توَّجت حياتها الجنسية بأعز ما تصبو إليه و تتمناه، و يستوي كيانها كله على أن تفرح و هي تتألم، و تتألم و هي تفرح، فلا يستقيم شعورها خالصًا من النقيضين في أعمق وظائفها التي خلقت لها، و مثل هذا التناقض يلازم عواطفها جميعًا فيما هو دون ذلك من نزعاتها و أهوائها. عباس العقاد
اقتباسات أخرى للمؤلف