- للإمام ابن الجوزي نظرات جميلة حول الحياة الأخرى والجزاء, فيقول: إن تعلّق الإنسان في هذه الحياة بما هو أجمل, وما هو أكمل, وما هو أمثل, وعدم رضاه بأي وضع يكون فيه, دليل على وجود حياة أخرى في الآخرة. فكأن النفس البشرية لا تقنع بشيء في هذه الدنيا, لأنها متعلقة بعالم آخر, حقيقي, تنجذب إليه بفطرتها وتكوينها. وقد عبّر عن ذلك عمر بن عبدالعزيز, بقوله: أوتيت نفسا توّاقة للمعالي. تاقت إلى الإمارة. فلما نالتها, تاقت إلى الخلافة. فلما نالتها, تاقت إلى الجنة. هذا الطموح والتعلق ليس مجرد حالة نفسية, أو تعبير عن ضعف, بقدر ما هو جزء من كينونة النفس والروح البشرية. فهي تتعلق بالرجوع إلى أصلها. وقد عبّر عن ذلك ابن الجوزي - في كتاب (سيد الخاطر), وفي كتاب (اللطائف), وفي كتاب ( المدهش), وفي عدد من كتبه, بلغته الشعرية الجميلة, فكان يقول مثلا: الجنة إقطاعنا, وإنما خرجنا منها مسافرين. ويقول: كان آدم إذا رأى الملائكة تصعد, حنّ إلى المرْتَع في المرْبَع.محمد المختار الشنقيطي