إنه في تلك الساعة يكون في مشادة دامية مع قلبه. قلبه الذي أدبر عنه مرة واحدة ولم يعد يتعرف إليه . إنه يظل يخاطبه في توجع شديد قائلاً: أيها الخائن الغدار .. قل لي .. هل تتذكر .. ؟ هل تذكر العهود والمواثيق والأيمان ، التي كنت يوماً ما تسوقها إليّ جملة واحدة لتؤكد بها مبلغ وفائك وإخلاصك ؟ هل تذكر إذا كنت تقرر لي في شدة وعزم ، بأنك صادق معي في كل أمر ، وأنك مرتبط بي في كل آن ووقت . هل تذكر إذا كنت تفخر أمامي ، مدعياً بملء شدقك أنك ذو بأس عظيم وتحمل شديد في سبيلي ومن أجلي ؟ هل تذكر إذ كنت تقعد لتطلعني على مدى غرامك العجيب بي . ذلك الغرام الذي يستحيل أن يشغلك عنه أي شاغل أو يصرفك عنه أي صارف ؟ هل تذكر إذا كنت تتصنع الكبرياء والصلف على الناس كلهم من أجلي ، وتشعرني بامتهانك لكل من على الأرض في سبيلي؟ أسفا .. أسفا إذ أطرت كل ذلك اليوم بنفخة من غدرك، ونسيته مرة واحدة لأول هوى في نفسك ، وتتركني إلى حيث لا أجد سبيلاً للحاق بك والوصول إليك. ألا قل لي بأي حق أيها الطائر الأهوج الصغير تنطلق إلى حيث تشاء تاركاً ورائك هذه الروح المعذبة في محبسها من هذا الجسد ؟ هذه الروح التي خلقت معها توأمين ، وعشتما معا خير قرينين ، تمد وجودها دائماً بسر من فيضها ، وتبث فيك الإشراق من نورها . حسبك طيشاً أيها القلب . وكفاك ابتعاداً وتوغلاً في المجاهل منفرداً عن قبس روحك وسراجها . فإن الطريق ، وبحبك ، مظلمة . والهدف أمامك بعيد . محمد سعيد رمضان البوطي
اقتباسات أخرى للمؤلف