إن طريق الإبداع في الكتابة يحتاج إلى مراحل ثلاث : 1.المرحلة الأولى : هي في البحث الواعي والتنقيب وجمع المعلومات وصنيفها. إن هذه المرحلة لا تكفي وحدها للإبداع إنما هي ضرورية أحياناً. ومن الممكن تسميتها بمرحلة الخزن. فالعقل الباطن لا يعمل وهو فارغ. إنما يجب أن يُملأ أولاً بالمحتويات المتنوعة. فتكون هذه المحتويات بمثابة المواد الخام التي صنع منها البضاعة النهائية. يقول المازني: إن الكاتب كسيارة الرش، لابد أن يقرأ لكي يكتب. وهذا قولٌ صحيح إلى حدٍ بعيد. ويا ويل القراء من أولئك الكُتاب الذين لا يقرؤون. فالكاتب الذي لا يجمع المعلومات ويخزنها في عقله الباطن يكون بمثابة القربة المنفوخة: ينتظر الضمآن منها الماء فتدفع في وجهه الهواء مع الأسف. 2.المرحلة الثانية : هي مرحلة الانبثاق اللاشعوري. فالكاتب بعد أن يخزن المعلومات في عقله الباطن ويتركها هناك لكي تختمر وتتلاقح يجد نفسه مدفوعاً بدافع لا يدري كنهه إلى الكتابة. فهو يريد أن يكتب ولو لقي في سبيل ذلك حتفه. إنه يصبح عبداً لحوافزه اللاشعورية لا يجد مناصاً من الانصياع إليها ويكون قلمه آنذاك هو السيد المطاع فهو يجري معه أنى جرى. 3.المرحلة الثالثة : هي مرحلة التنسيق والتزويق والحذلقة المنطقية. إن ساعة الإلهام كثيراً ما تكون مستبدة بحيث لا تدع لصاحبها مجالاً أن يفكر بما تقتضيه مألوفات الناس وما يستسيغه منطقهم ففي المرحلة النهائية يجب على الكاتِب أن يراجع ما كتب في ساعة الإلهام فيشطب منه قسماً ويزوّق القسم الآخر. وهو في هذه المرحلة يخرج من عالم اللاشعور إلى عالم الشعور. فيكون اجتماعياً بعدما كان عبقرياً.
علي الوردي