إن السلوك البشري، بصورة عامة، مبني على أساس لاشعوري من القيم الاجتماعية والعقد النفسية ولايكفي في إصلاح الانسان اذن أن نمطره بالمواعظ والتعاليم على طريقة (كن .. لا تكن) وقد نرى بعض الناس منغمسين في العادات المضرة والعقائد السخيفة فنلومهم عليها ونحتقرهم من أجلها - غير دارين بأن كل واحد منا معرّض أن يكون مثلهم لو كان يعيش في مثل ظروفهم. ولعلنا بإحتقارنا إياهم وإضطهادنا لهم نبذر بذرات الشر في أنفسهم من حيث لا ندري. ومثل هذا ما نرى لدى جلاوزتنا من ميل إلى منع الشعب حقه الدستوري في الانتخاب المباشر. فهم يقولون تسويفًا لعملهم هذا: إن الشعب لايصلح لذلك وقد قال مثل هذا القول قبلهم كثيرون. والطغام في كل زمن يدّعون بأن الشعب يجب أن يُحمى من شر نفسه. وقد علق جون ستيوارت مل الكاتب الإنجليزي المعروف على قولهم هذا في كتابه عن الحرية فقال : ( إن الأمة ليست بحاجة إلى أن تُحمى من نفسها. وليس هناك أي خوف من أنها تظلم نفسها بنفسها. دع حكامها يشعرون بأنهم مسؤولون تجاههم وأنهم معيّنون من قبلها .. وعند ذلك تستطيع أن تضع بأيديهم زمام السلطة آمنًا ). وياليت لجلاوزة يصلحون لحكم الشعب ثم يمنعونه من حكم نفسه، فهم يظلمونه ويخافون منه أن يظلم نفسه، فمثلهم كمثل ذلك الرجل الذي اساء تربية ولده ثم عاقبه بعد ذلك على سوء تربيته. وقد قال قائلهم في هذا الصدد : ( ثقف الشعب أولًا ثم امنحه بعد ذلك حقه في الانتخاب المباشر ) كأنهم يعتقدون بأن التثقيف في مثل هذه الامور العملية يتأتى للإنسان بالتحفيظ وبإلقاء الخطب والمواعظ. إن صلاح الناس للانتخاب المباشر لا يتم الا بتطبيق الانتخاب المباشر فيهم فعلًا وتعويدهم عليه مرة بعد مرة. والواقع ان كل امه من الامم الحية كانت في بداية مرها غير صالحة للانتخاب المباشر ثم صلحت له بعدما اعتادت عليه جيلًا بعد جيل .
علي الوردي