ظن القدماء: أن التنازع شر محض لاينتج عنه أي خير مطلقاً وهم في هذا مخطئون وخطأهم ناشئ من كونهم لم يعرفوا مجتمعاً خالياً من تنازع ولو فرضنا أن الله استجاب لدعائهم فخلق لهم مجتمعاً تعاونياً لاتنازع فيه لملوا منه ولهربوا منه كما يفر السليمن الأجرب. لاشك أن التنازع مضر بالإنسان ولكنه نافع له أيضاً فهو الذي يحفز الإنسان نحو العمل المثمر والابداع وبه يشعر الإنسان بأنه حي ينمو فلو كان الناس متآخين إخاءً تاماً يبتسم بعضهم لبعض ويعانق بعضهم بعضاً ثم يذهب كل منهم في طريقه من غير منافسة أو تكالب وتحاقد لشعروا بأن الموت خير لهم من هذه الحياة الرتيبة. حاول بعض الطوبائيين في أمريكا أن يؤلفوا من أنفسهم مجتمعاً هادئاً بعيداً عن تكالب الحياة وقد نجحوا في ذلك أول الأمر ولكنهم سئموا منه أخيراً وهربوا منه يقول وليم جيمس بعدما عاش بينهم بضعة أيام: أصبحت أشتهي أن أسمع طلقة مسدس أو ألمح لمعان خنجر أو أنظر إلى وجه شيطان وعندما خرج وليم جيمس من هذا المجتمع الطوبائي قال: أنا سعيد حين أخرج إلى عالم فيه شيء من الشر.
علي الوردي