جلس الضباط الجدد أمامه فهنأهم بالتخرج ببسمة واثقة، ثم أخرج سنبلةَ قمحٍ وممحاةً وقفازًا وسيفًا ووضعهم فوق الطاولة التي أمامه، صمت قليلاً ثم نظر إليهم رافعًا سنبلة القمح وقال: الجيش لا يزرع الأرض لكنه هو الذي يمنح الطعام، فتبقى كل الأفواه شاكرةً له، إذا شاء أشبعهم وإذا شاء جوّعهم، ثم أمسك بالممحاة وقال: هذا هو قلم الجيش، الجيش لا يكتب لكن هو يملك دوماً أن يمحو ما يخطّه الكُتّاب، ولذا لن تخطَّ أقلامهم إلا ما يريد ليصبحوا جميعاً قلم (الإرادة)، ثم نظر للقفاز ولبسه وهو يقول: لا يدَ للجيش فكل يد يمكن بترها، لكن هو القفاز الذي يحيط بكل الأيادي، اليد التي تزرع واليد التي تصنع واليد التي تكتب واليد التي تمنح وحتى اليد التي تسرق، القفاز هو وجه الإرادة المسيطر على كل شيء فلا ترى العيون سواه، ثم نهض واقفاً وأمسك بالسيف مستقيماً وقال بصوت جليل: وهذا هو قلبُ الإرادة، وإذا انكسر القلب مات سائر الجسد. الجيش روح الأمّة وإرادتها ، ودورنا ليس القتال عنها فحسب، بل ومَنْحها الحياة ورعايتها وإطعامها وقيادتها. لسنا لسان الأمّة بل نحن كلمتها، ولسنا فقط حُماتها بل نحن جوهرها. هذا دوركم فلا تنسَوْا كلماتي هذه أبداً فلن تسمعوها بعدي من أحد، ثم صاح في نهاية اللقاء: الله، الوطن، بالأمر فضجّت القاعة بصوت راعد: الله، الوطن، بالأمر. محمد الجيزاوي
اقتباسات أخرى للمؤلف