يقول الاستاذ سهيل العاني صاحب كتاب حكم المقسطين علي كتاب وعاظ السلاطين : إن الاعتراض على الظَلَمة غير واجب إذا كان فيه تحرّك فتنة تؤدي إلى تفرّق الكلمة ، وذلك لأن درء المفسدة أولى من جلب المصلحة. إن الخوف من تفرّق الكلمة وتحريك الفتنة نلاحظه في جميع ما يكتبه وعاظ السلاطين أو يخطبون به . وقد نسي هؤلاء أن جميع السلاطين الذين يدعون إلى طاعتهم وصلوا إلى الحكم عن طريق تحريك الفتنة وتفريق الكلمة .. فسلاطين بني أمية ورثوا الحكم من معاوية الذي شق عصا الطاعة على علي بن أبي طالب وفرّق كلمة المسلمين . وسلاطين بني العباس ورثوا الملك عن السفّاح الذي تمرّد على الأمويين وفرّق كلمة المسلمين .. وكذلك فعل الفاطميون والأيوبيون والعثمانيون . والغريب أن وعاظ السلاطين يذمّون كل فتنة تقوم في وجه السلطان ، فإذا نجحت تلك الفتنة واستتب لها الأمر أخيرا أخذ الواعظون يطلبون من الناس إطاعة السلطان الجديد وينسون بذلك طاعة وليّ أمرهم السابق الذي ذهب مع الريح. ويقول الاستاذ سهيل العاني أيضا: إن ليس على الرعية مع السلطان إلا النصح والتذكير والتعريف ، أما ما يؤدي إلى خرق هيبته ككسر آنية الخمور في بيته ، فتسقط حشمته ، فذلك أمر محظور منهي عنه. إنه يخشى على السلطان أن تسقط حشمته وتُخرق هيبته. ومادام الأمر صار مَنوطا بحفظ الهيبة والحشمة ، فإن احترام السلطان قد أصبح واجبا على كل مؤمن ومؤمنة بغض النظر عما يقوم به من مظالم وفضائح. ولا بأس إذّاك أن ينحني المؤمنون لأميرهم تبجيلا ويرتلون في مديحه القصائد الطوال . فكل ذلك يؤدي إلى هيبة السلطان عزّ نصره . إن وعاظ السلاطين كانوا يجمعون على أن النهي عن المنكر واجب عند القدرة عليه . إما إذا أدى إلى الضرر بالمال أو البدن أو السمعة وغيرها فهو محظور منهي عنه . يقولون هذا في عين الوقت الذي يقولون فيه بوجوب الجهاد في سبيل الله . فهم لا يبالون أن يتضرر المسلم في ماله وبدنه مادام يحارب بجانب السلطان ضد أعداء الدين وأعدائه . هذا ولكن الضرر الذي يجنيه المسلم من محاربة السلطان الظالم يعتبر في نظرهم تهلكة ينهى الله عنها . ومعنى هذا أن الدين أصبح عندهم بمثابة طاعة السلطان في سلمه وحربه ، ولا يهمهم بعد ذلك أن يكون السلطان ظالما أو عادلا . فهذا في نظرهم أمر بسيط لا أهمية له والله يحب المحسنين. علي الوردي
اقتباسات أخرى للمؤلف