قلما نجد في هذه الدنيا مجتمعا تجزأت فيه العائلة مثل هذا التجزؤ البليغ. العراق مشهور بمقاهيه, وهي على كثرة عددها تغصّ بالرجال. ففي أصغر قرية كما في أكبر مدينة في العراق تجد المقاهي منتشرة انتشاراً فضيعاً. ولعل هذه الظاهرة سببها حجاب المرأة أولاً وتعالي الرجل عن المكوث معها في البيت ثانيًا. فقد نشأت عندنا قيم تجعل من المرأة جنسًا أقل من منزلة الرجل وأضعف عقلاً بحيث يشعر الرجل إزائها بالتعالي والكبرياء. فإذا علم الناس برجل يكثر من المكوث في بيته مع امرأته وأولاده اتهم بالتخنث, ولدينا من الأمثال السائرة عدد لا بأس به يدل على انتشارهذه القيم الأجتماعية بيننا. ولعل هذه القيم قد جائتنا من البداوة, فالمجتمع البدوي كما قلنا مجتمع غزو وحرب, والرجل وحده من الذي يقوم بمهمة الحرب والنضال, أما المرأة فتعتبر مهمتها أخفض درجة من مهمة الرجل ولذا ينظر أليها بعين الأستصغار والمهانة. والبدو يطلقون على من يكثر من مجالسة النساء لقب زير نساء وهو لقب يصعب على البدوي تحمله. أنه إذن مضطر أن يقضي أغلب أوقاته في ديوان الشيخ ليتحدث هناك مع أقرانه أحاديث البطولة وأقاصيص الغزو والشجاعة. علي الوردي
اقتباسات أخرى للمؤلف