ومن الجدير بالذكر ان الحركة الاجتماعية لا تخلو من مساوىء رغم محاسنها الظاهرة. فليس هنالك في الكون شيء خير كله أو شر كله. فالحركة الاجتماعية تساعد الانسان على التكيف من غير شك. ولكنها في عين الوقت تكلف المجتمع ثمنا باهضا. اذ هي مجازفة وتقدم نحو المجهول. انها تؤدي الى القلق والتدافع والاسراف في أمور كثيرة. والانسان الذي يعيش في مجتمع متحرك لا يستطيع ان يحصل على الطمأنينة وراحة البال التي يحصل عليها الانسان في المجتمع الراكد. انه يجابه في كل يوم مشكلة. ولا يكاد ينتهي منها حتى تبغته مشكلة أخرى. وهو في دأب متواصل لا يستريح إلا عند الموت. ولا يدري ماذا يجابه بعد الموت من عذاب الجحيم! إن النفس البشرية تحترق لكي تنير باحتراقها سبيل التطور الصاخب. إن النفس البشرية تحترق لكي تنير باحتراقها سبيل التطور الصاخب. إذا ذهبت إلى نيويورك أو باريس أو غيرهما من المدن العالمية الكبرى، وجدت الناس هنالك في ركض متواصل وحركة لاتفتر ليلاً ونهاراً كلهم يسيرون على عجل فإذا سألتهم إلى أين؟ همهموا بكلمات غامضة واستمروا في سيرهم مسرعين. أما في المجتمع الراكد فشعار الناس العجلة من الشيطان أنهم يسيرون الهويني ويشعرون بأن الأيام طويلة فلا داعي للهلع فيها همُّ أحدهم أن يصغي إلى قصص الأولين وأساطيرهم مرة بعد مرة وهو سعيد بها يشعر أنه سائر في سبيل الخلود الذي لاعناء فيه. ابتلى الانسان بهذه المشكلة ذات الحدين. فامامه طريقان متعاكسان، وهو لابد أن يسير في أحدهما: طريق الطمأنينة والركود، أو طريق القلق والتطور. ومن المستحيل عليه ان يسير في الطريقين في آن واحد. يخيل الى بعض المغفلين من المفكرين ان المجتمع البشري قادر على ان يكون مطمئنا مؤمنا متمسكا بالتقاليد القديمة من جهة وان يكون متطورا يسير في سبيل الحضارة النامية من الجهة الاخرى. وهذا خيال غريب لا ينبعث إلا في أذهان اصحاب البرج العاجي الذين يغفلون عن حقيقة المجتمع الذي يعيشون فيه. علي الوردي
اقتباسات أخرى للمؤلف