نريد أن نعرف ما هي حدود الثقافة الصحيحة؟ فكثير من الناس يدعون أنهم هم المثقفون وحدهم من بين الناس. ويجب ألا ننسى أنّ كل طائفة من الناس تعتقد أنّ ثقافتها هي الصحيحة وأنّ قيمها الاجتماعية هي المعيار الثابت الذي يمتاز به الحق عن الباطل، والإنسان الذي نشأ في مجتمع معين لا بدَّ أن يتأثر بمقاييس ذلك المجتمع من حيث يشعر أو لا يشعر. فالطفل الذي ينشأ في محيط يُقدّر العنتريات وفتل الوارب واستعمال الخنجر، حاول إذا كبر أن يكون عنتريًا، وهو يظنّ أنه أحق من غيره بالفضل والمكانة الاجتماعية، فإذا قلت له: إنّ فلانًا أكثر عنتريةً منك وأعظم شجاعة وشهامة، غضب عليك وعدَّ هذا القول منك حسدًا ولؤمًا، وربما صفعك على خدك الأيمن ثم ثنى الصفعة بأُخرى على خدك الأيسر. وإذا كان المجتمع يقدّر البحث العلمي والاختراع وابتكار النظريات الجديدة وجدت كل فرد فيه يسعى في سبيل ذلك ثم يظن أنه قد نبغ فيه وتفوق على الأقران. لا يختلف المثقف عن غير المثقف من هذه الناحية إلا من حيث الدرجة. أما من حيث النوع فالجميع فيه سواء.
علي الوردي