مما رسخ في نفسي في أمرٍ شديد القدسيَّة كالزواج، أنَّ الرجلَ المحبَّ النبيلَ، الذي أرهقته الوَحدةُ وغلب الشَّوقُ قلبَه وأثقلت كاهلَيْه الأيامُ، إذا كان يروم وصلًا بليلى ومالُه كافيه ونفسُه راسخة وأمرُه بين يديْهِ ثابتٌ، فحين إذٍ لا يمنعُه عنها خوفٌ ولا حرجٌ ولا مخافةُ
رفضٍ، فالترددُ مقبرةُ المحبين، وأكثرُ المخاوفِ سرابٌ محلُّه العقل يبدّدُه الواقع، والرّجلُ لا يُعيبُه الرفضُ بل يُعيبٌه الجبنُ.
وأمّا إن أعجزَه مالٌ أو عملٌ أو أشغلَه تحصيلُ علمٍ أو حالَ بينَه وبين الوصلِ حائلٌ، فيدعُ ليلى وشأنها إلى أن يتيسَّر له أن يطرقَ بابَها، حتى وإن قتله الشوقُ وهام كالمجنونِ في الطرقات. فلا نقصَ في الرجلِ ما دام يسعى لصلاحِ حالِه وتوفيرِ ما يُعيلُ به نفسَه وأهلَه، إنّما النقصُ والجبنُ أن يتسلَّلَ كاللصِّ مقتحمًا قلبَ المرأةِ العفيفةِ من نافذتِه لا والجًا إياهُ من بابِه، فيعيثَ فيه لا يتركُه إلا خاويًا كالبيت الخرِب.
إنَّ للزواجِ في الإسلام قدسيَّةً ومكانةً وعظيمَ شأنٍ، فإذا كان لا يستقيمُ بغير دينٍ وخلقٍ، فكذا لا يستقيم بغير قوتٍ وجهدٍ وبذلٍ، وهناك من الظروف والحجج ما لا يكلِّفُ الله نفسًا إلَّا وُسعَها. فلا يحملنَّهما الميلُ والشوقُ على إتيانِ ما مُنعَ عنهما حتى يقضيَ اللهُ أمرًا، فليس على الراغبِ في الوصلِ حرجٌ أن ينتظِر ما دامَ يسعىٰ أن يكون أهلًا للوَصل، فمِثله كالفارسِ لا يقتحمُ المعركةَ بغيرِ عُدَّةٍ وعتادٍ وإلا كان فعلُه هباءً وعاقبتُه فناءً.
15733