و الثاني مشكلة وسائل التفاهم، فقد كنتُ من غفلتي أعتقد أن العقل هو وحده الوسيلة الطبيعية للتفاهم، فإن حدثت مشكلة احتكمنا إليه و أدلى كل منا بحججه فإما أقتنع و إما أُقنِع، و إمّا أصرّ و إما أعدل، و لكني بعد تجارب طويلة رأيت أن العقل أسخف وسيلة للتفاهم مع أكثر من رأيت من السيدات؛ فأنت تتكلم في الشرق و هن يتكلمن في الغرب، و أنت تتكلم في السماء فيتكلمن في الأرض، و أنت تأتي بالحجج التي تعتقد أنها تقنع أي معاند، و تلزم أي مخاصم، فإذا هي و لا قيمة لها عندهن. تقول : إن الأوفق أن نتصرف في هذا الأمر بكذا لكذا من الأسباب، فترد عليك بأقوال متأثرة بعواطف ساذجة، و تقول: هذا التصرف لا يصلح لما يترتب عليه من أضرار تعينها، فترد عليك بأن العرف و العادة غير ذلك. و تعاقب ابنك لتؤدبه فتفسد العقوبة بتدخلها لمجرد العطف الكاذب. و تتصرف التصرفات الحكيمة فتؤولها بنظراتها العاطفية تأويلات غريبة. و هكذا أدركت أن من الواجب ألا ألتزم المنطق، و أني إذا أردت الراحة و الهدوء فلأضحِّ بالمنطق إذا أردت السلامة. أحمد أمين