عندما ذهبت إلى سوريا احتضنتني كلمة معوضين بشدة وخففت من الإحساس بالفقدان الذي لا بد أن يكون كل العراقيين -الذين غادروا وطنهم وبيوتهم ووظائفهم وكل ما كانوا قد بنوه في حياتهم السابقة- قد شعروا به... معوضين يقولها لك سائق سيارة الأجرة الذي قد لا تراه بعدها أبدا بينما أنت تنقده أجرته الضئيلة ، يقولها لك بائع الخبز والحليب..سائق السرفيس..معوضين في كل مكان..وفي كل مرة تمد ببها يدك إلى جيبك مهما كانت الليرات الخارجة ضئيلة.. كنت أحيانا أقول في نفسي : هل هناك حقا ما يعوضنا عن وطننا ؟ عن بغداد ؟ عن أشياء تركناها وكنا لا نتخيل مجرد إمكانية الحياة من دونها. هل هناك حقا ما يعوض أن يكبر أبنك في وطنه؟!.. رغم ذلك..كانت معوضين مثل دعاء يومي بأن يعوضنا الله..وكان ذلك لوحده نوعا من التعويض..أن تشعر أن هناك من يدعو لك بالعوض.. اليوم ، أقف لأهمس في إذن سوريا كلها..معوضين..معوضين يا غالية يا وفية يا أصيلة..معوضين يا من وقفت وحدك ،بعد الله، معنا..وتقفين اليوم وحدك إلا منه عز وجل.. معوضين ، وأنت تفقدين اليوم خير أبنائك وصباياك..وأنت تقدمين خلاصتهم في خلاصك الحاسم..معوضين امام قوافل الشهداء..وقوافل المهجرين..وقوافل المعذبين..واليتامى..والأرامل.. ....معوضين يقولها لك العراقي العابر ، وهو يعرف أن العوض قادم لا محالة..مثلما الفجر قادم لا محالة..ومثلما الجيل الذي سيجلب الفجر قادم لا محالة... معوضين يا غالية...معوضين بغد أفضل وبسوريا أفضل وبمستقبل يستحق كل تلك التضحيات.. أعرف فداحة الخسارة التي تصغر أمامها الكلمات.. لذا لا يملك العراقي العابر ، أمام وجعك النبيل ، وشموخك الحزين ..إلا أن يقول معوضين معوضين!.
أحمد خيري العمري