أزعم هنا أن الدين لا يمكن أن يقدح زناد النهضة فحسب، بل أنه لا نهضة بلا دين أصلا. يمكن أن يكون هناك (تنمية) بلا دين، هذا وارد وحاصل. أن يحدث نمو في الاقتصاد والإنتاج ومستويات الدخل والرفاهية.. إلخ، بلا دين. لكن هذا ليس (نهضة)، والخلط بين المفهومين حاصل للأسف. النهضة أمر أعقد وأوسع بكثير، وهي قد تتضمن التنمية الاقتصادية كتحصيل حاصل، لكن لا يمكن اختزالهما معا بعملية التساوي تلك. التنمية الاقتصادية يمكن التخطيط لها عبر (خطط خمسية) وقد تؤدي إلى تحقيق التنمية إذا تم الالتزام الجدي بها. أما النهضة، فهي روح تسري في مجتمع ما، أو تَبعث أمة من العدم، من الموات، السبات، روح تجعل أفراد الأمة ينصهرون معا، ويتوقون لتحقيق أهداف ومُثُل وقيم هي أعلى بكثير من مجرد ارتفاع الدخل ومستوى الرفاهية. إنها المُثُل التي تجد فيها الأمة كينونتها وما تتصور أنه الهدف من وجودها. وإذا كان الاقتصادي والسياسي يلعبان الدور الأهم في التنمية، فإن المفكر - خاصة المفكر الديني - هو مَن سيقوم بالدور الأهم في التحضير لشرارة النهضة، في منحها الطاقة الأولية اللازمة لقدح الزناد، عندما تكون سائر الأسباب والشروط الأخرى - بضمنها الفرصة التاريخية - قد توافرت.
أحمد خيري العمري