كنتُ أشعر - كلما انفردت - بفراغ هائل في نفسي ، وأحس بأنها غريبة عني، ثقيلة عليّ ، لا أطيق الانفراد بها .. فإذا انفردتُ بها أحسستُ أن بيني وبين الحياة صحاري قاحلة و بيداً ما لها من آخر .. بل كنتُ أرى العالم وَحشاً فاغِراً فاه لابتلاعي ، فأحاول الفرار . ولكن أين المفر من نفسي التي بين جنبيّ ..؟ إنّ نفسي عميقة واسعة ، أو لعلّي أراها عميقة واسعة لطول ما أحدّق فيها وأتأمّل جوانبها ، فتخيفني بسعتها وعمقها ويرمضني أنه لا يملؤها شيء مهما كان كبيراً .. وهذا العالم ضيق ، أو لعلّي أراه ضيقاً لاشتغالي عنه بنفسي وشعوري بسعتها ، فأراه يخنقني بضيقه. إني أجمع العالم كله في فكرة واحدة أرميها في زاوية من زوايا نفسي ، في نقطة صغيرة من هذا الفضاء الرحيب ، ثم أعيش في وحدة مرعبة أنظر ما يملأ هذا الفضاء.. علي الطنطاوي