لذلك أوصي كل قارئ لهذه الفصول أن يتخذّ له دفترًا يدون فيه كلّ عشيّة ما رأى في يومه، لا أن يكتب ماذا طبخ وماذا أكل ولا كم ربح وكم أنفق فما أريد قائمة مطعم ولا حساب مصرف بل أريد أن يسجل ما خطر على باله من أفكار وما اعتلج في نفسه من عواطف، وأثر ما رأى أو ما سمع في نفسه، لا ليطبعا وينشرها فما كل الناس من أهل الأدب والكتابة والنشر، ولكن ليجد فيها يومًا نفسه الّتي افتقدها. لا تعجبوا من هذا الكلام، فنحن في تبدّل مستمر، كلّ يوم يموت فيّ شخص ويولد شخص جديد، والميت أنا، والمولود أنا، خلايا جسدي تتجدد كلّها كل بضع سنوات حتى لا يبقى منها شيء مما كان، عواطف نفسي تتبدل فأحبّ اليوم ما كنت أكره بالأمس وأكره ما كنت أحب، أحكام عقلي تتغيّر فأصوّب ما كنت أراه خطأ وأخطئ ما كنت أجده صوابًا . علي الطنطاوي